من الإصدارات القيمة واللطيفة معاً كتاب «غرائب المكتوبجي» لمؤلفه سليم سركيس صاحب جريدة «المشير» التي كانت تصدر في بيروت في بدايات القرن العشرين يوم كان اسم سوريا يشمل لبنان والأردن وفلسطين والشام، وكل الدول العربية كانت من ممتلكات الدولة العثمانية، وكل العرب كانوا رعايا لتلك الدولة وأتباعا للسلطان العثماني حسب وصف المؤلف.
قيمة الكتاب في طبيعة موضوعه، موضوع الكتاب يدور حول معاناة المحرر والكاتب مع الرقيب، أو كما يقول مؤلف الكتاب عن كتابه : هو جامع لأخبار المكتوبجي أي (مراقب الجرائد والصحف في الدولة العثمانية)، حيث كانت هكذا تسميته بلغة ذلك الزمان، والكتاب قديم جدا كتبه صاحبه “سليم سركيس” ورفعه هدية إلى السلطان عبدالحميد الثاني وطبعه في مطبعة «السلام» بمصر عام 1896 على حساب جريدته «المشير»، هكذا تقول حكاية الكتاب.
في مقدمة كتابه يقول: «هذا قليل من كثير من غرائب المكتوبجي في العصر العثماني أوردتها للقارئ، عسى أن يدرك مقدار العذاب العظيم الذي يعانيه أصحاب الجرائد في تركيا خصوصا.
لو تساءل الكتاب والصحفيون منا: كيف كانت تراقب الجرائد يا ترى بحسب أحوال ذلك الزمان؟ لعرفنا أن وضع الرقابة يومها ليس كما هي رقابة اليوم، لكن جوهر الرقابة ما زال باقيا طالما ظلت الرقابة وظيفة معترفاً بها في مؤسساتنا الإعلامية الصحفية وطالما ظل الرقيب قلماً ووجوداً مرهوباً وقائماً بكل الجدارة والاستحقاق والهيبة.
لنرى كيف تراقب الجرائد أيام زمان كما يرويها سليم سركيس من واقع تجربته ومعاناته يقول: “ .... بعد أن يكتب محرر الجريدة مقالات جريدته وترتب حروفها وتصلح أغلاطها حتى تصير جاهزة للطبع والتوزيع، تبعث الإدارة بنسختين منها إلى المكتوبجي، وعلى جميع من في الجريدة أو المطبعة من المحررين والعمال (يسميهم هو العَمَلة) أن ينتظروا رجوع المسودة المذكورة قبل أن يبدأوا بالطبع، وترسل المسودة عادة الساعة العاشرة صباحا وتبقى عند المكتوبجي حتى الساعة الثالثة أو الرابعة عصرا، فيتعطل كل شيء بما فيهم الإدارة والمطبعة والعمال والمحررون.
أما كيف تسير الأمور عندما تصل المسودة إلى سراي الحكومة (مقر رئاسة الوزراء) فيقول سركيس: “... عندما تصل المسودة إلى السراي يأخذها العسكري في خدمة المكتوبجي ويضعها على طاولة مولاه ويبقى الغلام في انتظاره إلى أن يترحم ويتعطف ويتنازل فيرسلها إلى أحد أعوانه ليطالعها، وذلك لأن المكتوبجي يعرف من اللغة العربية قدر ما أعرف أنا من لغة آدم !!»، فالجريدة التي تطبع وتوزع في بلاد الشام بلغة عربية خالصة يراقبها مكتوبجي تركي لا يتحدث العربية إطلاقا!!
من طرائف ما يروى عن المكتوبجي وتعامله مع الأفكار والآراء والأخبار أنه قد جرت العادة أن ينشر الناس إعلاناتهم هكذا: نعلن لحضرة الجمهور أننا قد أنشأنا مدرسة .. الخ، فأمر المكتوبجي أن تحذف لفظة الجمهور فيما بعد من الإعلانات وأن تستبدل بـ (نعلن لحضرة العموم) خوفا من اشتغال أفكار القراء بالجمهورية والميل إليها، خاصة أن أفكار الجمهورية الفرنسية تعادل عند المكتوبجي الثورة والتمرد والاشتغال بأفكار منحرفة.



ayya-222@hotmail.com