نقصد بالبيان ذاك المنشور أو النص الذي يكتبه شخص بمفرده أو جماعة، ويتم التوجه به الى الجمهور العام، لتبيان مفاهيم بعينها أو أسباب ومآرب، ينطوي عليها البيان ويشكل جسر إعلانٍ وتواصل بين صاحبه أو أصحابه، والناس كافة. والبيان قد يكون عسكرياً. فقد راج على سبيل المثال، البيان رقم واحد في الانقلابات العسكرية. وقد يكون سياسياً، وأشهر بيان في التاريخ الحديث هو البيان الشيوعي. وقديماً عرف في الأدب “البيان والتبني” للجاحظ، وفي عصور الحداثة عرفت البيانات الفنية والأدبية، ومن بينها البيان السريالي الأول.. وليس بعيداً عن هذا التوجه وهذه الروح، البيانات الكثيرة التي صدرت عن جماعات شعرية أو فنية حديثة، انتشرت بين بغداد والقاهرة وبيروت، وصدرت عنها بيانات في الفن التشكيلي أو المسرحي أو الشعر الحديث، وما شابه ذلك. فالبيان إذن صورة وملخص أفكار واتجاه.. يدور حول الشعر أو الرسم أو لمسرح أو القصة.. الخ.. وهو صورة التوجه النظري لصاحبه أو أصحابه. ونسأل اليوم: هل من ضرورة للفنان أو الجماعة لبيان؟ ما الضرورة وما الفائدة مثلاً من أن يصدر رسام بياناً بمناسبة إقامة معرض من المعارض لصوره؟ ونسأل أيضاً: ألا يحد ذلك من حرية التلقي، من حيث أن هذه الحرية، التي يملكها المتلقي تجاه أي عمل إبداعي، جوهرية، وشبيهة بالحرية التي يمارسها المبدع في إبداعه، تجاه ذاته وتجاه الآخرين؟ أليس في البيان ليّ نصف الحرية في التلقي، ومحاولة لتوجيه الذوق الفني في تجاه واحد، من حيث أن التلقي متعدد وكثير، وهو خصب بمقدار خصوبة النص أو اللوحة؟ هذه الأسئلة وسواها قد تؤثر في ضرورة البيان ومعناه، لكنني قرأت كلاماً للفنان التشكيلي السوري أسعد عرابي في تبرير البيان، وهو ينطوي على منطقه الذي أحترمه وإن كانت تحفظاتي وردت آنفاً في أصل الفكرة. يقول: “أنا من الفنانين الذين لا يفصلون الموهبة المخبرية أو النشاط في المحترف عن الديناميكية الذهنية أو الفكرية أو الثقافية. شأني هو شأن أغلب الفنانين في أوروبا.. خاصة الذين شكلوا مفاصل الفن المعاصر، من أمثال كاندنسكي وبول كلي وفازاريلي. وكل الاتجاه المسمى بالمفاهيمية اليوم.. كل هذا يثبت أن النشاط الفني ليس نشاطاً حيادياً أو أمياً أو مفصولاً عن الفكر، لأن هذه الأمية حكر على أغلب الفنانين العرب. لذلك فإن أي لوحة لا تملك أرضية فكرية تقع في الاستهلاك والأسلبة والتنميط، فهي صالحة للبيع وليست صالحة للمعرفة الحدسية”. (السفير عدد 5 سنة 2009). نرى أن ثمة فرقاً بين خلو العمل الفني من فكرة.. أية فكرة. وهي مسألة إشكالية بكل حل أي مسألة ضرورة الفكرة في العمل الفني: لوحة.. قصيدة.. الخ.. وبين الفراغ أو الخواء الفني... الذي لن يبرره بيان... كما أن البيان شرح أسلوباً ولكنه لا يكفي لتبريره.. من هنا انتماؤه للفكر وليس للفن والله أعلم.