حكت لي جدتي تفاصيل كثيرة عن رجال الأمس، الذين عاشت طفولتها وهي تتأمل تصرفاتهم وسلوكهم وتحفظها عن ظهر قلب، فهي شديدة الإعجاب بأولئك الرجال ، لما اتصفوا به من صفات الرجولة الحقة، الرجولة التي لا تعني صفات وملامح الذكورة البيولوجية، ولكنها الرجولة التي تعبر عن نفسها بما يعرف بأخلاقيات الفرسان حتى ولو لم يمتط صاحبها حصاناً طوال حياته .
من بين هؤلاء الرجال شخص عمل كمسؤول لفرضة دبي (ميناء دبي) قديماً ، وإلى جانب كل صفاته فقد عرف عنه صرامته في المحافظة على التقاليد ظاهرها وخفيها، وكانت له وجهة نظر جديرة بالتأمل فيما يخص التهاون بملامح الهوية وتفاصيلها ، فكان يردد دائماً أن من يتخلى عن ثيابه ويلبس ثياب الآخرين سيظل عارياً طيلة حياته ، وأحياناً كان يقرن التخلي عن تقاليد الآباء والأجداد بالانحراف وقلة التربية والأدب.
كانت لديه سلطة على القيام بدور المؤدب لكل شباب الحي، وليس هناك من يجرؤ على عدم الاستجابة له، وما من صبي أو شاب ينادي عليه “عبيد بن سالم” إلا ويكون بين يديه كلمح البصر، ساعدته استقامته وأخذ نفسه بالشدة والصرامة على تكوين شخصية ذات نفوذ وهيبة بين الناس الذين عايشوه وأحبوه ، فقد كان معلوماً لديهم بالضرورة أن الرجل لا يتمادى في الشدة مع أحد إلا لخطأ واضح لا يقبل التهاون حياله مطلقاً ، والجميل والغريب في الوقت نفسه أنه ما من أم ولا أب قد اعترض يوماً لأن عبيد بن سالم مد يده على ابنهم أو وجهه أو تشدد في تأديبه فحتى من كان يطيل شعر رأسه، كان يقوم بحلاقته له في الطريق العام !!
هذا الرجل الذي يمكن أن يشكل في الذاكرة الجمعية لأي مجتمع حالة تشبه هيئة الرقابة الاجتماعية أو الضمير الجمعي لم يعد موجوداً في المجتمع عندنا ، بعد أن تخلى الجميع عن حالة المسؤولية الجماعية عن بعضهم البعض بسبب اختلاط الحابل بالنابل، ففي الوقت الذي كان فيه عبيد بن سالم ينادي على الصبية والشباب الصغار بأسمائهم وأسماء آبائهم لأنه يعرفهم معرفة يقين فإن الرجل اليوم لا يعرف جاره ولا ماذا كان لا يزال في منزله أم أنه انتقل الى منزل آخر دون أن يدري .
كان الرجل بكل سلوكه وسلطته التأديبية يشكل حالة اجتماعية وثقافية وأخلاقية أفرزتها طبيعة مجتمع وطبيعة علاقات يمكن أن تتسامح في داخلها مع رجل يضرب أبناء جاره ليقوم اعوجاجهم ويشق ثوب ذلك الفتى المعجب بـ” كندورته “ التي لا تمت لطراز ثياب جده ووالده ، ويحلق شعر فلان لأنه تجرأ أن يطيله مقلدا البنات بلا أدنى خجل.
اليوم يصيبك الدوار وليس العجب وأنت تجد شباباً وصل بهم أمر أو موضة الجمال والاهتمام بالمظهر الى العناية بالبشرة واستخدام الشمع لنزع الشعر وتنظيف الحواجب وترتيب مواعيد منتظمة لعمل حمامات زيت للشعر والعناية بالقدمين واليدين ، إضافة لماسكات وأقنعة تجميلية للبشرة، كي تحافظ على جمالها ونضارتها ونعومتها، ولن نتحدث عن أشياء أكثر لأننا سنخرج من دائرة الرجال تماما.
لا خلاف على العناية بالمظهر والمنظر والصحة لكن أن ينافس الرجل زوجته وأخته في كمية مساحيق العناية بالبشرة، فإنه سبب جعلني أتذكر عبيد بن سالم مباشرة .

ayya-222@hotmail.com