الخاسرون لكل شيء لا يخافون على أي شيء، ولا يخشون من أي شيء.. لذلك، فمن يعشق مصر، ويحب أهلها، ويهوى ترابها لابد له أن يقلق، وأن يشعر بالخوف على مصر بعد التغيير الذي أصاب رأس النظام، ومن والاه ومن تلاه، لأنه لابد وبعد الزلزلة أن تحدث التوابع وأن يندس من يندس، ويختس من يختس، ويعبس من يعبس، ويرفس من يرفس، ويرتكب الرجس من يريد أن يرجس، وما أحداث كنيستي مارمينا والعذراء في إمبابة إلا إشارات ورجرجات للماء عند فم الكأس الملآن.. لابد أن انتياب المرء الفزع، عندما يرى النيران تندلع من مبان مقدسة، سواء كانت مساجد أو كنائس، لأن لهذه المباني منازل في وجدان شرائح من البشر، ولابد من احترامها وتقديرها، ولكن الذين يريدون البلبلة، وإفشال مشاريع الناس لا يهمهم مشاعر أحد، ولا يضيرهم إن فجَّروا الدنيا على رؤوس أصحابها، لأن هؤلاء خسروا مواقع، وأصبحوا الآن في مهب الريح، ولا سبيل لتعويض ما فات إلا إشاعة الفقدان في كل مكان، ونشر الفوضى أولاً لإثبات أن ما جاءت به الثورة المصرية مجرد وهم، ثانياً ليؤكدوا للقادمين الجدد، أن بديل النظام السابق هو الخراب والدمار، وثالثاً وهو الأهم، تأليب الآخر ضد النظام الجديد، وتشويه الصورة أمام العالم، بأن هذا النظام الذي جاءت به الثورة نظام طائفي، سوف يقضي على الديانات الأخرى، وأولها المسيحية.. ومن يفعل ذلك، سواء كان من هذا الطرف أو ذاك وسواء كانت متديناً أو متحيناً الفرص، إنه إنسان بغيض وكاره، يجب على مصر بكل طوائفها ومشاربها ومذاهبها، أن تنتبه للفتنة، وأن تستشعر الخطر الداهم، وأن تكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ قد يهب ويدب، ويصب جام حقده في وعاء مصر، الذي نتمناه دائماً نظيفاً عفيفاً، يتآلف مع العافية ويتحالف مع الوفاق الوطني، وينحاز دوماً نحو مصر القوية المتماسكة، المحروسة بعيون محبيها وعشاق نيلها. فلا يجب أن نغفل مصر أبداً، فغفلة مصر تعني ضياع أهداف وانكسار مجداف، وانحسار آمال، واندثار أمنيات.. لا يجب أن نتوه مصر في خضم تطلعات لمتسلقين أو خاسرين، بل يجب أن تعود مصر للمصريين، بأصفى ما اصطفاها به الله من تاريخ عريق، وحضارة عتيدة، وشعب قادر في أي مرحلة، أن يعيد ترتيب البيت، وتأثيثه بالمعاني الجليلة، وتهذيب المشاعر بما يتلاءم وموقع مصر، ومكانتها بين الدول على مر التاريخ، أما من يريد أن يحرق كنيسة لأجل إشعال فتنة فيجب أن يكون مكانه مزبلة التاريخ وفي التاريخ الكثير من النفايات والحثالات، وبقايا ما لفظته الشعوب من عظام رميم. وبصرخة مدوية نقولها للشعب المصري: إن المغرضين والانشطاريين وأصحاب النظرة الضيقة، والمنحازين إلى ذواتهم كثر، فلابد من توخي الحذر، ولابد الوعي بأهمية أن تعيش مصر لكل المصريين من دون استثناء. علي أبو الريش | marafea@emi.ae