أخذ حقيبته وكلم أخاه وابن خالته وذهبوا معاً للاستمتاع بالأجواء الجميلة على الكورنيش والشاطئ الأجمل، وأول ما وطأت قدماه الرمال الذهبية خلع ملابسه وأسرع إلى البحر لتصارعه الأمواج وتعرقل هرولته، فقاومها بقذف نفسه إلى أحضان البحر وهو يضحك، ومعه صاحباه، وبعد برهة قرروا السباحة في أعماق البحر وترك لهو الشاطئ، فلم يتردد أحد منهم، وأخذ كل منهم يضرب البحر بكفيه ويحرك رجليه، وبعد لحظات شعر الأخ الأصغر بالإرهاق، فقرر العودة، فيما كابر الاثنان بحب المغامرة وواصلا السباحة، إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان، ففقد أحدهما قدرته وأخذت كفاه تقاوم أمواج البحر، ثم علا صراخه طلباً للنجدة. لم يتمكن ابن الخالة من فعل شيء، سوى العودة للشاطئ، تاركاً صديقه يغوص في الأعماق غريقاً، ليسارع إلى الإبلاغ عن الكارثة التي وقعت أمام ناظريه، ولكن هيهات أن تفيد سرعة طلبه النجدة، فقد وصلت دوريات الإنقاذ بعد أن كان الفتى قد غاص إلى القاع، وصعدت روحه إلى بارئها، وتأكد جميع من تجمهر على كورنيش خورفكان من غرق ابن حمدان علي، ابن السابعة عشر عاماً، الذي فشلت فرق الإنقاذ والضفادع البشرية من العثور على جثته، فكان قرار الاستعانة بشباك الصيد وتحويط المنطقة التي غرق فيها، ومن ثم سحب الشباك إلى اليابسة، أي “ضغوة” كما نسميها باللغة العامية، لتأتي الشباك بالجثة، وأكرمه ذووه باستعجال دفن جثمانه. هذه الحادثة المأساوية التي تفرض على الجهات المعنية والمسؤولين في مدينة خورفكان الكف عن ركن ملف أمن وسلامة مرتادي البحر جانباً، فهذه المدينة لم تعرف البحر ومرتاديه منذ يوم أو يومين، بل هي مقصد سياحي بما حباها الله من طبيعة وشاطئ من أروع شواطئ الدولة، وقضية تأمين سلامة مرتادي البحر والمتنزهين قديمة قدم تاريخ المدينة، وكل مسؤول بالمدينة معني بالأمر، يدرك حجم الخطر الذي يحيط بالأسر والأطفال والكبار ومرتادي البحر، فالجهات الرسمية والمسؤولون حريصون كل الحرص على أن يستخرج جمهور وهواة السباحة والتنزه التصاريح اللازمة لكي يمارسوا هواياتهم، ويستوفون منهم الرسوم سنوياً، وكذلك يلاحقون كل صياد ومسترزق تأخر عن تجديد الرخصة السياحية التي تخوله نقل المتنزهين، ولا يغفلون عنهم، لكنهم في الوقت نفسه تركوا الشاطئ بطوله الممتد لأكثر من كيلومترين دون برج مراقبة أو قارب إنقاذ، أو مسعفين، أو غيرها من معدات السلامة، بل تركوا الحبل على الغارب، ولم يسنوا حتى القوانين والتشريعات التي تنظم وتحدد أماكن السباحة واستخدام الدراجات المائية وسير قوارب النزهة التي تجوب الشاطئ بطوله، وإن شرعوها فلم يطبقوها على أرض الواقع، وجعلوا الحابل يختلط بالنابل، فالدراجات بهديرها، والقوارب بأحجامها، ومرتادو البحر للسباحة، جميعهم معاً وفي مكان واحد، لا تجد مناطق خاصة آمنة لكل فئة، ولم يكلف من يتسابقون على تحصيل الرسوم أنفسهم بتحديد مناطق خاصة لكل فئة، لتأمين سلامة البشر الذين يرتادون شاطئ المدينة، وأهملوها وأسقطوها من حساباتهم. محمد عيسى | m.eisa@alittihad.ae