قرأنا الكثير من حكايات العشق وتعرفنا إلى قافلة من العشاق أحببناهم حتى صاروا أصدقاءنا في ليالي الحكايات، وصرنا كأننا نعرفهم، وحين بدأت التلفزيونات تعرض مسلسلات سيرهم الذاتية وقصص حياتهم صرنا ننكر بعض التفاصيل ويحتدم النقاش حول الشخصية المحورية التي تمثل شخصية العاشق، كنا نرفض أن يكون الممثل الفلاني معادلاً لقيس بن الملوح أو أي عاشق آخر، كنا قد نحتنا ملامح العشاق في خيالاتنا الغضة على طريقة آلهة الجمال عند الإغريق، كانت لدينا الجرأة على مقاربة هذا الفعل. ربما كان مصدر هذه الجرأة نابعاً من القصائد العذبة التي صاغتها قلوبهم فالجمال لا يصدر إلا من نفس و إنسان جميل، ثم إن هؤلاء النساء المتصفات بكل هذا الحسن لا يمكن أن يعشقهن إلا رجالاً على جانب كبير من الجمال، هذا أحد الأسباب، وربما لأنهم في كل قصائدهم كانوا يتحدثون عن أنفسهم بوصفهم فرساناً نبلاء. ومثلما فعلنا مع أبطال قصص العشق ونحن صغار ومراهقون، فعلنا الشيء نفسه مع رموز أخرى في السياسة والنضال والأدب حين كبرنا، ثم حين انكشفت كل الحجب والأغطية، اكتشفنا أن وجه الحبيبة ليس مضيئاً كالقمر، لأن القمر نفسه غير مضيء بذاته فهو يستمد ضوءه من الشمس كما قال لنا العلماء، وأنه ليس سوى تراب وأحجار وغبار، عندها أيقنّا أن قيس ليس نسخة من شكري سرحان أو كلارك غيبل، وأن حبيبته ليلى ليست زبيدة ثروت أو نجلاء فتحي، وأن السياسيين ليسوا كلهم عمر بن الخطاب وعمر المختار، عندها أيقنّا أن الرمز أو البطل هو إنسان طبيعي من لحم ودم وأنه بشر لا يمت للملائكة بصلة، بل هو بشر بامتياز، وأن الجزء المثالي والسماوي هو من تأليفنا وخيالاتنا، وأننا لسبب أو لآخر صغنا هذا التصور لأننا نريد لهذا البطل أن يكون متكاملاً في نظرنا ووجداننا كي يستحق تاج القداسة الذي ألبسناه إياه. البطل في المخيلة العربية هو نتاج تاريخ من الأساطير أولاً، ونتاج نصوص مغرقة في القدم، نصوص أثرية وتاريخية لحضارات قديمة تزدحم بكثير من الأبطال الذين توالدوا من نسل الآلهة أو كانوا أنصاف آلهة على طريقة جلجامش السومري ، كما أن هذه المخيلة قد روت جذورها من عمق النصوص الدينية والتاريخ الديني المبني على البطولة بالقياس الأولي والأساسي لتكوين التاريخ ، فالتاريخ لم يبرز سوى الأبطال الخارقين، وحتى عندما جاء الإسلام بقي هذا المعيار حاضراً، فما من رجل بارز إلا وكان بطلاً لا يشق له غبار في ساحات المعارك، وفتشوا عن صحابي أو اسم من أولئك النفر المبجلين لم يكن شجاعاً وبطلاً . البطل التاريخي، الملحمي، البطل الديني، البطل السياسي، ارتبط في أذهاننا بقيم التسامي والطهرية المبالغ فيها - ونحن لا ننكرها عليهم بالمطلق ، لكننا ننكر على الإنسان ما يناقض بشريته أولاً، وما يحيلنا في النهاية على إشكالية التقديس الذي يباعد بيننا وبين قدرتنا على الرؤية الصحيحة للأمور وعلى إصدار الأحكام الصحيحة أيضاً، فما هو مقدس يكون بعيداً عن النقد بالضرورة ، وهنا مكمن الخطأ في المبالغة في تقديس النص أو الشخص أو التاريخ. هذه واحدة من علل الذهنية العربية التي لم تتم معالجتها بشكل نهائي بعد، ما جعل بعض الناس يعتقدون أنها ليست مشكلة بسيطة يمكن حلها، بل هي شيء يشبه الصفة الوراثية فينا نحن العرب، بحيث لا يمكننا التخلص منها، إلا أن تحولات الحاضر كفيلة بمحو ما عجزت عنه كل القرون الماضية حسب ما يظهر من توالي الأخبار !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com