أربعة خطوط من الدم، تصنع من المجروح مَلكَاً متوجاً في الفضاء، ومن تحته فورة العضلات وجغرافيا الروح الطاردة للشر. هكذا أحد ملامح القوة في شخصية “بروس لي” التمثيلية، برغم أنه هو المجروح. وقد شَكَّل ذلك بجانب صرخته الشهيرة لحظة الانقضاض لإنهاء الخصومة الشريرة؛ عزاءً لا مثيل له بيننا، كأطفال مدارس وأحياء شعبية. لم نكن نشعر بظلم شيء معين لنا، إنما كنا نعيش وضعية مظلومة دون وعي تفصيلي بما يقع علينا، غير أننا كنا بشكل ما مسجونين في النظام العائلي والمدرسي، ومن ثم كان “بروس لي” أحد هذه الأساطير التي نُفَرِّغ من خلالها شخصياتنا الأخرى التي لا يعلم عنها أحد، تماماً كما كانت تمنحنا الأفلام الهندية بُكائنها التطهري، بقصصها الملتهبة بثمار أشجارٍ درامية غاشمة، وإيقاعات أغان آسرة لتلابيب فطنتنا الذاتية لقصور عالم الكبارالحاكم. الخير والشر هما الوسيلة الدائمة لوضع تمثُّلات المجتمع والمواقف والأنظمة محل شبهة واشتباه إجرائي مستمر، لأن الفكرة المثالية لصفاء إحداهما صفاء كاملاً؛ غير موجودة إلا في الدعوة لهما، كل فريق بطريقته. ومن هنا كان “بروس لي” بطلنا السري والمعلن في الآن نفسه. فطاقة اتخاذ الحركات القتالية مع إطلاق صرخة التنين المتشنجة العارمة، كانت كفيلة بضخ الرعب في الأنظمة الاجتماعية الجائرة، حسب مؤهلات خيال المتقمص الصغير لدور المنقذ، لنفسه أو لغيره، من مجموعة طلاب متنمرين قد يأخذون فطورك دون قدرتك على منعهم. لاستعراض القوة هيئة جسدية، والكثير منا كان يقوم بالتدريب على هذه الحركات، ورفع الأثقال متمثلة في مخدات وعلب صفيح مملوءة بالماء، إنما بعد ذلك كنا نُقهر بكل سلاسة أمام كلب يعوي علينا عند ناصية الحارة، وما قد نفهمه على أنه استعراض للقوة البروسلية لأحلامنا، والذي في الوقت نفسه منحنا حُكماً ذاتياُ لمناطق نفوذنا، كان المجتمع يفهمه على أنه صبيانية عُمر وتصرفات حمقاء. حقيقة كنا نشعر بأن هناك عالمين في تناطح تعسفي، الأطفال والكبار، تماماً كالدول الكبرى والأخرى الصغيرة، فمن يملك القوة يعرف مصلحتك، ومن لا يملكها عليه أن ينصاع، ومن تسول له نفسه بالخروج عن الصف يتولاه العقاب، فالهُوَّة الفاصلة بين عالم وعالم تتملكها نزعات استعمارية لا مناص منها، فالوقت الذي يكون عليهم أن يربوننا فيه طِبقاً لأية مقتضيات قارة في زمنهم وعقلهم، هو نفسه الوقت الذي يكون علينا أن نكتشف فيه حضورنا المُتَوَهَّم؛ دون اللجوء إلى زمن ولا عقل سوى طفولة مهدنا، المكتشفة من لَدُنَّا، لَدُنَّا نحن. الشق الآخر من هذه اللعبة هو الزهو الأتوماتيكي التي تمنحنا إياه صرخة “بروس لي”، شيء ما في هذا الجسد الصغير يشعر أن صورته الخرساء صارت صورة ناطقة، وخصوصاً عندما تخيف صرختك عدوك الجائر، فلا تنسى أن “بروس لي”، هذا الذي لا يتعدى على أحد إلا بعد صبر مرير، هو مثلنا نحن الأطفال، هادئ، خدوم، يفي بالوعد، خفيف الظل، لكنه يمتلك تلك الصرخة التي إذا أُطلقَتْ؛ فعليك السلام. eachpattern@hotmail.com