مذكرة التفاهم والشراكة التي وقعتها وزارتا الداخلية والتربية والتعليم، بإدخال الثقافة المرورية ضمن المنهاج المدرسي الحكومي، هي محاولة جادة من الطرفين المعنيين، لتخفيض نسبة الحوادث المرورية، والحد من السلوكيات الطائشة والقيادة بطيش وتهور، وهي من المسببات الرئيسية للحوادث بالدولة، وتحتل ريادة نسبة الوفيات الناجمة عن تلك الحوادث، فعندما يبدأ العمل من الأساس تكون قد خطوت أولى الخطوات الموفقة والناجحة، لمعالجة العلة الكبرى في مجتمعنا، وهي غياب الثقافة المرورية.
فالسيارات، والدراجات النارية، تحولت إلى ما يشبه آلات قتل، تحصد أرواح مستخدميها والمارة بشكل يومي، وبصور مأساوية، ففي وقت لم تكن قد بردت بعد دماء الشابين اللذين سقطا بشارع أم سقيم في دبي نتيجة حادث الدراجة النارية، ولم تكن قد جفت بعد دموع والديهما، فجعنا بحادث آخر أمام أبوظبي مول، راح ضحيته قائد دراجة عربي الجنسية، وأحد المارة الذي صدمته الدراجة ليفقدا روحيهما في لمحة بصر، كثير من السائقين يفتقرون للثقافة المرورية، بل لايستخدمون المركبات بصورة صحيحة وسليمة، ولأغراضها التي صنعت من أجلها، فمن يقول إن السيارات، وإن كانت رياضية في شكلها وقوة محركها، صنعت للتسابق على الطرقات العامة، وقيادتها بطيش وتهور، وترويع خلق الله، وتحويلها لنعوش تتسابق لضم ركابها؟.
ومن أوهم الشباب، أصحاب السيارات رباعية الدفع، “الفورويل” بأن سياراتهم هذه صنعت لتسابق ظلها، ولتصعد العراقيب بلمح البصر، وأنها للاستعراضات البلهوانية، على الدوارات، والسير بها على عجلتين، وتزويدها وتحويلها لما يشبه قاذفة الصواريخ، تزعج الخلائق بأصواتها المزمجرة المنكرة؟
ومن رسخ في عقول قائدي الدراجات النارية أنها صنعت لمسابقة الريح، والسير بسرعة جنونية بين المركبات كالثعبان السام، وأنها مخصصة للتفنن في تنويع أصوات محركاتها، معاقبة لكل حي تمر فيه عند منتصف الليل بحيث تقض مضاجع ساكنيه؟
إن ما يحسب للمبادرة، أنها شملت أكثر من قطاع لتصحيح اعوجاجه، ليصب في النهاية في صالح المجتمع، فنصت مذكرة التفاهم والتعاون على إدخال مادة الثقافة المرورية ضمن المناهج التربوية، ونشر الثقافة المرورية بين الطلبة وأولياء الأمور والعاملين بالميدان التربوي، ووضع المواصفات والاشتراطات لترخيص الحافلات المخصصة للنقل المدرسي، وتشمل المواصفات الفنية ووضع معايير لاختيار السائقين العاملين عليها والمشرفين، وعلى تعزيز التعاون في مجال التوعية المرورية لمستخدمي الطرق العامة كافة بالسلامة المرورية، وإعداد برامج التوعية المرورية على مدار العام واختيار الأفضل منها، كأساليب تستخدم للتوعية والنشر، واستخدام أحدث تقنيات البحث عن الحلول المناسبة للمشاكل، والاسترشاد بالمعلومات لتحديد ومعالجة مشاكل السلامة المرورية، وتطوير التجربة التعليمية لطلبة المدارس، وتبادل الخبرات والأنظمة والخبراء على المستويات كافة.
وكلنا أمل بأن تؤتي مبادرة الداخلية والتربية أكلها، ويأتي اليوم الذي نشهد فيه تحولاً في ثقافتنا المرورية، وخاصة عند الشباب حفاظاً على سلامتهم، وتحقيقاً لأمن المجتمع، وسلمنا الله وإياكم من شر الحوادث.


m.eisa@alittihad.ae