ترفع دائرة التنمية الاقتصادية، شعار “بيئة مميزة في خدمة المستثمرين”، و”محطة واحدة لإنجاز المعاملات”، ولسان حال خدمات بلدية أبوظبي من جهتها يقول “خدمات متميزة لعاصمة واعدة”، وهي شعارات جميلة تحمل فكرة عصرية، وضعت لتسهيل معاملات الناس، وعلى وجه الخصوص المستثمرين المحليين ومن خارج الدولة، من خلال تواجد كافة الجهات التي يقوم بمراجعتها طالب الترخيص التجاري تحت سقف واحد، إلا أن هذا التفكير العصري بات يعاني من أداء غير عصري، جراء تحول الطابق الأرضي لمبنى بلدية أبوظبي المترامي الأطراف إلى مجرد ساحة مفتوحة متداخلة تضم منصات للجهات والدوائر الحكومية المعنية بسير عملية استخراج الترخيص التجاري أو المهني، وتبدو معها القاعة كما لو كانت “متاهة” بكل ما تعني الكلمة من معنى.
عندما انتقلت بلدية أبوظبي إلى هذا المبنى الضخم، من مبناها المتواضع في عمارة بشارع حمدان، قبل أكثر من عشرين عاما، كنا نتساءل عن مقدار الحاجة الى مكان بهذا الحجم، ولكنه اليوم بات يضيق بالمراجعين، في صورة تختزل التوسع الكبير، والنمو الهائل الذي طرأ على عاصمتنا.
إن أي مراجع للمبنى اليوم، يقضي وقتا طويلا حتى يجد موقفا لسيارته، وعندما يصل للقاعة التي تعج بالبشر يلمس مقدار الضغط والجهد الذي يبذله موظفو المنصات المختلفة، لدرجة أنهم يفتقرون الى ابسط ما تقول عنه الدوائر المشاركة في تلك المنصات في دوراتها التأهيلية من حسن معاملة المراجعين، وحتى فكرة الموظف الشامل في هذه المنصات تتبدد، مع وجود البعض من الموظفين غير الملمين بالمتطلبات والاشتراطات الكاملة لترخيص هذا النشاط التجاري او ذاك.
يوم أمس كنت في تلك القاعة التي لكثرة المراجعين والاكشاك فيها، ضعفت قوة الاضاءة فيها بحيث لا تكاد تتبين طريقك. وما إن تجلس في مقاعد المراجعين حتى تسمع منهم قصص غريبة عن الروتين، الذي يفترض أن تكون “الرؤية العصرية”، قد قضت عليه. وعند المنصة الخاصة بإدارة الجنسية وشؤون الأجانب، تشعر بأن هؤلاء الذين يقفون وراء”كاونترات” الخدمة، لا علاقة لهم بوزارة حصدت 13 جائزة من جوائز الأداء المتميز، أو يتبعون إدارة حققت نقلة نوعية في انجاز المعاملات سواء في مبنى الجوازات المحلية او في مبنى الادارة العامة علي طريق المصفح. فالشباب من الارهاق تحت وطأة الاعداد الهائلة من المراجعين، يبدو جهدهم مهدورا، وسط المعاملات “المجمدة” بانتظار الموافقات.
إن استعادة الحيوية للفكرة العصرية لتسهيل الخدمات ومواكبة الوتيرة المتسارعة للعاصمة، تتطلب في المقام الاول، اعادة النظر في تجميع الخدمات في ذلك المكان المزدحم من مبنى البلدية الكائن أصلا في أكثر مناطق مدينة ابوظبي، اكتظاظا وازدحاما، باستحداث نماذج مصغرة من منصات السقف الواحد في أكثر من مكان من مناطق العاصمة، بعد أن أصبحت الضواحي الواقعة خارج جزيرة ابوظبي، تقارب حجم المدينة، التي لا يريد البعض استيعاب حقائق التوسع الكبير الذي تشهده، والنمو السكاني الذي أصبحت عليه، مع منح موظفي هذه المنصات صلاحيات أوسع لإنجاز المعاملات، حتى يتجسد واقعا شعار “خدمات متميزة لعاصمة واعدة”.


ali.alamodi@admedia.ae