تمكين المواطن وجعله قوة فاعلة ومؤثرة تملأ المكان، فعلاً وعملاً، ضرورة قصوى لا مفر منها، ولنكن صرحاء لأجل إثبات الحقيقة، وتتبع خيوطها ودروبها، فالمواطن اليوم هو أول المتضررين من خلل التركيبة السكانية، وهو الذي يصبح مأزوماً، مكظوماً، مهموماً، متألماً من زحمة المكان وضياع الهوية، واختباء الصوت في معاطف غريبة عجيبة، ولكن أول المتسببين للمشكلة هو المواطن أيضاً.. كيف؟ فهذا المواطن الذي يحشد من الخدم والحشم، ليقوموا بأدوار، هي في الأساس من صلب التزاماته كإنسان، واجب عليه أن يؤدي واجباته العائلية، والخاصة بنفسه من دون الاستعانة “بصديق” أو “رفيق”.
فتعجب مثلاً عندما تذهب إلى السوق، تجد مجموعة من السائقين المواطنين يصطفون بسياراتهم مغلقة النوافذ أمام بقالة مثلاً، وتسمع زمجرة الأبواق، وهي تخرق السماوات وتهز الأرض لأن الحبايب لا يريدون النزول من سياراتهم خوفاً من أن ترهق أجسادهم المسترخية تحت التكييف، لذلك فيجب على البقال أن يجيب الدعوات ويلبي الحاجات وفي أقصى سرعة، وإن تأخر فإن الزمجرات قد تتحول إلى صراخ وأحياناً شتائم.
هذه الثقافة تحتاج إلى تفتيت وإلى تشتيت، ثم تهذيب وتشذيب، فلا يمكن أن تصرخ الحكومة في وادٍ، والمواطن في وادٍ آخر، لأن العمل الوطني يحتاج إلى تكاتف، والتكاتف يحتاج إلى تضحية بأشياء كثيرة، أهمها الكبرياء المزعومة، والعادات الملغومة، والتصرفات المشؤومة، لابد أن يعي كل واحد منا أن الوطن بحاجة إلى وعينا بأهمية الاعتماد على النفس، وضرورة الخروج من دوامة قيم اكتسبناها حديثاً، ولم تكن جزءاً من حياة الآباء والأجداد، فعندما تتجاوز الرفاهية حدود الممكن، فإنها تتحول إلى شيء من الفراغ اللامتناهي، والذي يؤدي بدوره إلى التيه في مطالب هلامية لا حدود لها.
نحتاج إلى جهد الحكومة في وضع القوانين، ولكن هذه القوانين تحتاج أيضاً إلى جهد المواطن في كبح الكثير من العادات التي تضره ولا تسره، وفي تصوري أن المسألة لا تحل عقدها في يوم وليلة، بل تحتاج إلى تدريب يبدأ من سن الدراسة المدرسية، والتي تستطيع أن تغرس ثقافة التفاني والعصامية في نفوس الصغار، والذين هم كبار الغد.
فأطفالنا اليوم ككبارنا، مشبعون بعادات لم تخرب نفوسهم فقط، وإنما أدت إلى أمراض جسدية مزمنة، فالكسل والجلوس المتواصل من دون حركة والاعتماد الكلي على الخادمة، حتى في تقديم كأس الماء، كل هذا لم يخلخل التركيبة السكانية، بل زلزل الكيان البشري وأطاح قدرات الناس، وشل حراكهم حتى باتوا يهتفون باسم الخادمة والسائق في النوم واليقظة.. حقيقة نحن نحتاج إلى ثقافة جديدة إلى منطقة وسطى لا تعيدنا إلى الماضي، ولا تذهب بنا بعيداً في حالة الاسترخاء.



marafea@emi.ae