يشكل الخيال، مرتكزاً رئيسياً بالنسبة للمبدع والفنان والشاعر والقاص والروائي وحتى العاشق، مرتكزاً في التفكير وفي النظرة إلى الحياة، وهو أيضاً بوابة التأمل العظيم، ومن دون هذا الخيال الذي يأتي بالفطرة أحياناً وبالتدريب وبالبيئة التي يعيش فيها الإنسان أحياناً أخرى، تكون كل الأشياء عادية وباهتة، تشح الرؤية الجمالية، وربما تختفي الذائقة ويصبح الفكر مغلقاً وسطحياً إلى أبعد حد، لا يستطيع أن يرى في الشجرة حكاية ولا في البحر أساطير وملاحم، لا يستطيع أن يسمع النشيد القادم من أمواج البحر، والصدى الذي يحمله الهواء من الأزمان قادماً بنشيد النهام والغناء وبقرع الطبول، لا يستطيع أن يرى الأشرعة الممتدة في الفضاء الشاسع للبحر، لا يقدر أن يلمس الغيم بأنامله ويهطل المطر. الخيال مضى بالشعوب نحو الأجمل من الحياة، الخيال غيّر معنى الأيام وكرس القدرة على التسامي، على رؤية مالا يرى وعلى القبول وعلى دعة النفس وتسامي الروح. في واقعنا المحلي ساهمت الطبيعة كثيراً في تنامي الخيال، حيث ريفنا، وصحراؤنا الممتدة وبحرنا الشاسع المفتوح على مد النظر، حرضوا على المضي بعيداً، على السفر الممتد في الزمن والجغرافيا، على الغطس إلى الأعماق، والرقص على صدر السفينة، وحتى من على «السيفة» وهدير الموج المتلاطم ولحظة تكسر الموجة قرب البيوت، كان الخيال يتنامى، فولد الشعراء والكتاب والقصاصين والموسيقيين، والمسرحيين. وتحققت المنجزات الإبداعية التي ذهب مبدعوها عميقاً في التجريب والعمل على تربية هذا الخيال الذي كان بمثابة كنز من الكنوز التي استغلت بشكل جيد، فكانت المواهب تتفتح مع الأيام، حيث أخذ الشعر الحديث قسطاً كبيراً من الظهور والتحقق وكذلك الرواية والقصة القصيرة، حيث يزخر المنجز الكتابي الإبداعي المحلي بأسماء كثيرة، منها الشابة ومنها المخضرمة التي ما زالت تسهم وتنجز في الحقل الإبداعي، وهو أيضاً الفن التشكيلي الذي ينجز تجربة كبيرة جداً على المستوى الفني المحلي والعالمي .. وبدوره يواصل المسرح تحققه في فعل التجريب والاشتغال الدائم والحضور. ومع الخيال الذي أدركه مبدعونا وعملوا كثيراً كي لا ينكسر وعملوا كثيراً كي ينمو ويتحقق بجمال في الحياة الإبداعية، نتمنى أيضاً أن يتم العمل على تربية هذا الخيال لدى الأجيال القادمة، أن نذهب للمدرسة ونقدم إليها وقود هذا الخيال الذي به تصبح الحياة أجمل، أن يتم تكريس الفنون، الرسم والموسيقى وتشجيع الأطفال على كتابة القصة وعلى قراءتها، تحريضهم على المسرح، على التمثيل والمطالعة وتحفيز ملكة التأليف لديهم، وزرع حب الطبيعة فيهم .. أن تستمر هذه الرعاية من الحضانة وحتى المرحلة الأخيرة من الدراسة الثانوية. فبهذا الفعل نكون أجمل، وبهذا العمل الداعي إلى تنامي الخيال نتفادى الانغلاق المكبل لكل فعل جمالي. saadjumah@hotmail.com