الصداقة الحقيقية أندر من الكبريت الأحمر، فيما يقال، وهناك فارق كبير بين الصداقة والمعرفة والزمالة. دائرة المعارف واسعة تجمع الإنسان بكل من يحيط به، أو يقع في مجال معرفته. وكلما كثرت المعارف، كان ذلك دليلا على كثرة علاقات الإنسان وتشعبها وإتقانه فنون العلاقات العامة. وكان لى قريب بارع في هذا المجال، وكان يتهمني بالخيبة، وأنني لا أعرف كيفية حسن تدبير الأمور على النقيض منه، فقد كان يعرف عدداً هائلا من البشر في كل مكان، ولذلك كان يساعدني فى أموري الحياتية، فما طلبت عونه في أى مجال إلا وكان يجد من معارفه، وفي داخل شبكة علاقاته الواسعة جداً من يقدم أيدي العون لكنه لم يكن له أصدقاء حقيقيون، يجدهم وقت الضيق والشدة، فالفارق بين معنى الصداقة والمعرفة كبير كالفارق بين الصداقة والزمالة، فزميلك في العمل قد يدخل في دائرة المعارف، وليس من الضروري أن يكون قريباً منك في كل الأحوال، فما أسرع ما ينقطع الاتصال بينكما إذا انتقلت من عملك، أو تركته. أما الصديق فقد يكون زميلا أو في دائرة المعارف، ولكن سرعان ما تتعدد وسائل التقارب بينكما فكرياً ووجدانيا، فيتحقق معنى المأثور الإسلامى “الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”.. ومعرفة الصداقة الحقيقية هي معرفة للنفس لأن الصديق هو المرآة الأمينة ،التى ترى فيها عيوبك ومحاسنك، فتسعى إلى تجنب العيوب، وتعمل على زيادة المحاسن. وصديقك هو من يشعرك بالأمان، لأنه لن يتردد فى مساعدتك حين تواجه غرائب الدهر، أو مؤامرات الشر، أو خسة الأخسَّاء، وهو يمكن أن يكون رجلا أو امرأة بلا فارق جذرياً، لكنه في كل الأحوال معك، يذود عنك، ويقف معك في كل الأحوال ودون شروط لا يعنيه فقرك أو غناك، منصبك أو مكانتك، ما يعنيه هو جوهرك الخالص الذي يتفق مع جوهره، فإذا بكما واحد وأنتما اثنان، روح تمازجت بشبيهتها، وعقل توافق مع ما يجانسه. ولذلك فالصديق الحقيقى يعرف ما بك قبل أن تنطق، ويفهم عنك بدون بيان، يدافع عنك فى غيبتك اغتياب الآخرين كما لو كان يدافع عن نفسه لأنه الأعرف بدخيلتك، والأقرب إلى فهم مفاتيح نفسك والأكثر إنصاتا لهمساتها مهما كان خفوتها وهذا هو السر فى ندرة الأصدقاء. وإذا خرجت من رحلة سنواتك بعدد أصابع اليد الواحدة من هذا النوع من الأصدقاء، فأنت أسعد الناس وأكثرهم غنىً، ولذلك ينبغى أن نمايز بين الصديق ومدعي الصداقة، وما أكثرهم في كل الأزمنة، فهم متظاهرون لك بالمودة الخالصة كلما علا منصبك، أو زادت ثروتك، سريعو الانفضاض عنك والنسيان لك، إذا فقدت المنصب والجاه، ولذلك أجدني أبحث دائماً عن معادن الصداقة الحقيقية، وعلمتني الأيام والأحداث والمناصب أن أميز بين المعادن الأصيلة والمعادن الزائفة (الفالصو) فالأصل يبقى دائما، سنداً وعوناً، ومرآة، وضميراً.