إن لصفتي الثقة في النفس، والغرور مفهوماً كبيراً وواسعاً، وتداعيات وأسباباً كثيرة، فقد تتحول الثقة الزائدة بالنفس أحياناً إلى غرور داخلي، فيعطي الشخص نفسه قيمة كبيرة لدرجة أنه لا يرى من حوله، فتتحول الثقة إلى صفة غرور، وكما فسر المتخصصون معنى الثقة بالنفس بأنها حالة توازن نفسي في معرفة الإنسان بذاته وقدراته ومعرفته بالعمل الذي يريد أن يقوم به... وهي صفة حسنة، أيضاً عرف مفهوم الغرور بـ”صفة ذميمة”؛ لأن صاحبها يرى نفسه أنه الأفضل، فتكون شخصيته من الداخل فارغة من العلم وحسن الخلق، ويرى الناس أقل منه قدراً، أو أقل منه شأناً، فنجده لا يعطي اهتماماً لمن حوله، وفي كلتا الحالتين هناك أسباب لنمو صفة الغرور وتطورها، فقد يكون سببها تكرار النجاح، والقدرة على تجاوز الصعوبات، والمواقف المحرجة بطريقة ميسرة وسهلة، أو الزيادة في المال والمكانة والمظهر، فيعتقد أنَّ غيره أقل منه منزلة، وهنا يقع الإنسان المغرور في موقف قد يهلكه وقد ينهيه. يحكى أنه في يوم من الأيام هبت الرياح على صفحة البحر.. فاندفعت الأمواج تجري إلى رمال الشاطئ، ثم تراجعت بسرعة كلهو الأطفال. وهناك في الأفق.. كانت أمواج أخرى من السحاب تتلاطم وتقفز فوق بعضها. فقالت سحابة صغيرة: أف.. ما هذا الزحام؟! ابتعدوا عني.. لا أستطيع رؤية البحر. قالت جارتها: كفي عن التأفف وتمتعي بأشعة الشمس الدافئة. ردت السحابة منزعجة: أنا لا أتحمل حرارتها على وجهي الناعم الرقيق. ?دفعتها سحابة من خلفها، وقالت: لا تغتري بنفسك كثيراً.. فكلنا يشبه البعض. صاحت السحابة المغرورة: ها أنت تشبهيني.. مستحيل!! أنا أندى سحابة.. انظري إلى لوني الفضي الجميل.. أكاد أضيء من تلقاء نفسي! ?اقتربت سحابة ضخمة، وقالت لها: لا تنكري فضل الشمس يا صغيرتي.. فهي تغمرنا بأشعتها الذهبية، فنتلألأ في السماء، ونشع بالضوء الشفاف.. أو يحمر وجهنا مع الشفق ونفترش الأفق. ?قالت السحابة الصغيرة بإصرار: كلا... أنا لست سحابة عادية مثلكم.. فكم تغنى بي الشعراء.. ورسم لي الرسامون أروع اللوحات، ولكني أجمل من أي تقليد.. أنتم لا تعرفون قيمتي.. سأرحل عنكم للأبد، وأذهب إلى مكان واسع، حيث تراني كل العيون. زحفت السحابة غاضبة وركبت أول موجة للريح وطارت بعيداً، ? ومع ابتعادها عن مسار الضوء فقدت رونقها وبهاءها.. وانطفأ نورها وأضحت ظلمة. وصارت تتأرجح يميناً ويساراً مع هبات الرياح، لا تجد من يسندها ففقدت توازنها وقوتها. ?ونجحت الرياح في توجيه ضربات قوية للسحابة المغرورة فتمزقت.. وتلاشت في أرجاء السماء الواسعة. قال الحكماء: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيعُ ?ولاتكُ كالدخان يعلو بنفسهِ إالى طبقات الجو وهو وضيعُ... مريم الشميلي Maary191@hotmail.com