قد تتشابه معاني مفردات كثيرة في العربية، ولكنها تختلف في فروق دقيقة، تجعل من هذه اللغة غنية بالألفاظ ذات الاختصاص، إن جاز التعبير، فكلمتا اللطف والتوفيق قد تتشابهان في الدلالة العامة لهما إلا أنهما تختلفان. فالفرق بينَ اللّطْف وَالتّوفيق هو أن اللطف فعل يسهل به العمل على الإنسان، ولا يكون لطفاً إلا مع قصد فاعله وقوع ما هو لطف فيه من الخير خاصة، فأما إذا كان ما يقع عنده قبيحاً، وكان الفاعل له قد أراد ذلك، فهو انتقاد وليس بلطف، والتوفيق فعل ما يتفق مع الخير، وإذا لم يتفق مع الخير لم يسم توفيقاً. ولهذا لا يكون التوفيق إلا في شيء حسن، فلا نقول عمن يرتكب جريمة أو يفعل فعلاً شنيعاً، إنه حالفه التوفيق في فعله، فالتوفيق لا يكون إلا في فعل حسن وطاعة، لذلك قالوا: إنه لا يحسن الفعل. وفرقٌ آخر وهو أن التوفيق لطف يحدث قبل فعل الخير بوقت، فهو كالمصاحب له في وقته، لأن وقته يلي وقت فعل الخير، ولا يجوز أن يكون وقتهما واحداً، لأنه بمنزلة مجيء زيد مع عمرو، وإن كان بعده بلا فصل، فأما إذا جاء بعده بأوقات، فإنه لم يجيء معه. واللطف قد يتقدم الفعل بأوقات يسيرة يكون له معها تأثير في نفس الملطوف له، ولا يجوز أن يتقدمه بأوقات كثيرة حتى لا يكون له معها في نفسه تأثير، فكل توفيق لطف وليس كل لطف توفيقاً، ولا يكون التوفيق ثواباً لأنه يقع قبل الفعل، ولا يكون الثواب ثواباً لما لم يقع، ولكن التسمية بـ «موفق» على جهة المدح يكون ثواباً على ما سلف من الطاعة، ولا يكون التوفيق إلا لِـمَا حسن من الأفعال. يقال: وفق فلان للإنصاف، ولا تقول: وفق للظلم، كما يقال: زيد وافق عمراً في هذا القول، وإن كان قول عمرو قد انقضى، واللطف يكون للتدبير الذي ينفذ في صغير الأمور وكبيرها، فالله تعالى لطيف ومعناه أن تدبيره لا يخفى عن شيء ولا يكون ذلك إلا بإجرائه على حقه. والأصل في اللطيف: التدبير، ثم حذف وأجريت الصفة للمدبر على جهة المبالغة، وفلان لطيف الحيلة إذا كان يتوصل إلى بغيته بالرفق والسهولة، ويكون اللطف حسن العشرة والمداخلة في الأمور بسهولة، واللطف أيضاً صغر الجسم خلاف الكثافة، واللطف أيضاً صغر الجسم وهو خلاف الخفاء في المنظر. وفي اللطيف معنى المبالغة لأنه فعيل، وفي موفق معنى تكثير للفعل وتكريره لأنه مُفَعّلٌ، والعصمة هي اللطيفة التي يمتنع بها عن المعصية اختياراً، والصفة بمعصوم إذا أطلقت فهي صفة مدح، وكذلك الموفق فإذا أجري على التقييد فلا مدح فيه، ولا يجوز أن يوصف غير الله بأنه يَعْصمُ، ويقال: عصمه من كذا، ووفقه لكذا، ولَطُفَ له في كذا، فكل واحد من هذه الأفعال يعدى بحرف. أبو العلاء المعري: والرّوحُ شيءٌ لطيفٌ ليس يُدركــُــه عقلٌ، ويسكنُ من جسم الفتى حَرَجا سُبحان ربّــكَ، هل يبقى الرّشادُ لهُ، وهـــــلْ يُحسُِّ بما يَلقى، إذا خَرجا؟ وذاك نـــــــــــورٌ لأجسادٍ يُحسنّها، كما تبيّنتَ، تحتَ اللّيلةِ، السُّرُجـــا وأسعَدُ النّاسِ، بالدنيا، أخو زُهُدٍ، نـافى بَنيها، ونادَوا، إذ مضى: درَجا Esmaiel.Hasan@admedia.ae