شغل أحسنتوا.. ما زال عندنا هو الشغل السائد في بعض الجهات، واعتقدنا أننا قد تخلصنا منه منذ أمد بعيد، ومنذ أن حلّت العولمة أولاً، وأرست الخصخصة ثانياً، ومنذ أن غادرنا الموظف العمومي الذي يشتغل في السوق مساء، ولا يكتفي بذلك، بل يتابع شغله الخاص نهاراً أثناء أداء وظيفته العمومية ذات المرتب الحكومي الثابت، ومنذ أن نبهوا المسؤولين الجدد أن مديري مكاتبهم لا يجب أن يحلوا ويربطوا عنهم ويوقعوا بدلاً عنهم، غير أن بعض الأمور ما زالت على حالها وإن تبدل الوضع، وتغيرت الأشياء.
شغل أحسنتوا.. يظهر للعيان حين نفتح شارعاً جديداً، وبعد فترة شهرين نراهم يحفرون ما طموه، وينبشون الطرق المعبدة، ويخرجون “وايرات” من أحشاء الأرض أو حين يوسعون حارات الشوارع المرة تلو المرة، وكأنها لم تدرس وتخطط لاستيعاب طاقاتها القصوى أو حين تبنى جسور وتقاطعات وتظل عارية من الشجر والزهر ليعطي للإسمنت بعض الأنسنة، ويضفي على الحديد بعض الجمال الذي كانت تشتهر به مدننا.
شغل أحسنتوا.. نجده حين تترك البلدية شغلها الأساسي، وتتنبه أن تقيم دورات لموزعي بضائع البقالات على بيوت الحي، من أصحاب الدراجات الهوائية، وتأخذ على كل رأس 140 درهماً ليخضع صاحب الدراجة لدورة في “أتيكيت” التوصيل، وقرع جرس أبواب الفلل، قال يعني البلدية خلصت كل أعمالها، وغداً تركيزها على الرفاهية العالية للمواطنين، وكيفية تعامل الأيدي غير الماهرة معهم.
شغل أحسنتوا.. نلحظه حين تئن مفاصل بعض مدننا على نزول قطرة مطر قليلة، ويكتشف السكان أن لا بنية تحتية تحتهم، وأن مبانيهم كانت خاضعة للتدقيق على الطراز المعماري الذي يتماشى مع الشكل الإسلامي في البناء، وما غير ذلك كله شغل أحسنتوا.
شغل أحسنتوا.. حين تبقى بعض الشوارع المزدحمة تومض إشارات المرور فيها لثوانٍ، ثم تقفل في وجه العابرين لدقائق تطول حتى تختلط السيارات وتصتك من كل الجهات في الشوارع الخلفية، ونجده في مشاريع المواقف المدفوعة التي أتعبت السكان، وأتعبت المترددين بحثاً عن مكان ولو كان مدفوع الأجر.
شغل أحسنتوا.. أصبح يطل اليوم مع انحسار المساحات الخضراء لصالح الأبنية المتراصة والمتلاصقة حتى أصبحنا نعيش في غابة من الأسمنت والزجاج، ولم تزد النخيل القديمة نخلة، ولم تحترم الأشجار القديمة المتشبثة بعروقها القديمة في الأرض.
شغل أحسنتوا.. بدأ يكثر في النهضة العمرانية الجديدة، ويجب ألا تغشنا الـ”بروشورات” الملونة، ولا “ماكيتات” الترويج والتسويق، ولا تلك “المناظير” المجسمة فهي خادعة للبصر والنظر.


amood8@yahoo.com