من أين ينبع الاختلاف بين الكبار والصغار ؟ كيف لا تتفق الأم وابنتها والابن وأبوه على بديهيات التربية والسلوكيات والتوجهات ؟ كيف يحدث أن يشير الأب لسلوك حفيده الواضح تماماً أنه خطأ ومناف لأبسط السلوكيات والآداب، بينما يشيح الابن بنظره غير راض عن توجيهات والده وانتقاده اللاذع لابنه ؟ لماذا تصر زوجة الابن على والدة زوجها ضرورة أن ترفع حماتها يدها تماماً عن كافة ما يتعلق بتربية وتوجيه أبنائها، معتبرة أن أي توجيه أو انتقاد أو انتقاص، يمسها شخصياً، ويمكن اعتباره تدخلا سافراً في شؤون مملكتها، قد يقود الى قطع العلاقات الزوجية بينها وبين زوجها ؟
أهي عدائية كامنة في اللاشعور لأسباب نفسية ؟ أم هي اعتزاز بالشخصية المستقلة لكل طرف وعدم الرغبة في فرض رأي آخر عليه من خلال خصوصياته التي من أوضحها طريقة تربية الشخص لأبنائه ؟ أم أن المسألة ليست سوى صراع أجيال يحدث في كل مكان وزمان له علاقة باختلاف أدوات العصر وأخلاقياته ومتطلباته، حيث الإنسان ابن عصره وابن زمانه ؟ وأنه لا يحق كما تقول بعض الزوجات ،أن تعيش والدة زوجها زمانها وزمان غيرها ؟ وقد ربت أبناءها كما شاءت في الماضي، وهي تريد اليوم أن تربي أبناء أبنائها وبناتها كما تشاء أيضاً، سالبة حقوق التربية من كل الأطراف لصالح قناعات لم تعد صالحة لهذا الزمان ؟
هي أسئلة مشروعة أولا، كما أنها تعبر عن إشكاليات تربوية تعاني منها أغلب الأسر الإماراتية، التي دخلت في عمق ثقافة العولمة التربوية والأخلاقية دون استعداد تربوي وحصانات قيمية كافية، في الوقت الذي يعاني منه مجتمع الإمارات – كغيره من مجتمعات الخليج – اختلالات سكانية أفرزت آثارها بوضوح على ثقافة الأجيال الجديدة ولباسهم وسلوكياتهم وتوجهاتهم ونظرتهم للحياة وللتعليم وللوظيفة وللأسرة وللمال ولمجمل تفاصيل الحياة التي يعيشونها.
تدخل السيدة الكبيرة التي هي جدة الأبناء إلى غرفة الجلوس، حيث يتحلق الأولاد مع والدتهم في مشاهدة جماعية لمسلسل تركي يعج بالانحرافات والتمريرات الناعمة والخطرة جداً لكثير من التوجهات والقناعات الخاطئة، وبمجرد أن تبدأ الجدة في إعطاء توجيهاتها تبدأ أم الأولاد بالتذمر ويفعل الأولاد مثلها بالتأكيد، في الوقت الذي يبدو واضحاً أن سلوك الجدة الكبيرة غير المثقفة وغير المتعلمة أكثر نضجاً ووعياً وفهماً من تلك الأم الشابة المتعلمة خريجة الجامعة، والتي تحتل مركزاً متقدماً في مؤسستها ربما.
من أين يأتي الوعي ؟ من أين تأتي اللامبالاة ؟ من أين ينبثق الإحساس بالمسؤولية في التربية ؟ من هو الأكثر وعياً والأكثر وضوحاً واستشرافاً لمخاطر العولمة وتباعاتها على السلوك والتوجيهات والتأثير في أنماط الاستهلاك والمشاهدة ؟
ألا تبدو الجدة أكثر وضوحاً في المشهد السابق من ابنتها أو زوجة ابنها ؟ ألا يبدو الدين العميق الذي تربت عليه حصانة وحجر الزاوية في شخصيتها ووعيها ؟ هناك ثنائيات تحيلنا الى فهم قضية الاختلاف بين الأجيال والتحامل غير المبرر على الكبار : كثنائية الدين والمعاصرة، ثنائية القديم والجديد، ثنائية الانفتاح والمحافظة، ثنائية العولمة والأصالة .
وهناك حقيقة غائبة .. العلم والمال والماركات العالمية، التي نرتديها والكتب والمجلات التي نقرؤها ودول أوروبا التي سافرنا إليها لا تمنحنا وعياً بقدر ما تكدس لنا أشياء من حضارات الآخرين دون وعي .


ayya-222@hotmail.com