بعض الناس نعرفهم من خلال مدنهم وبلادهم، فهي تجسدهم، وبعض الأوطان نعرفها من خلال أناس يجسّدونها، وبمجرد ذكرهم تسرع إلى مخيلتنا أوطانهم، فهم ملتصقون بها، متلبسون بها بشكل أو بآخر، حباً أو كراهية، ليس بالضرورة دائماً، أن يكونوا شخصيات مشهورة، أو اعتبارية لهم وزن وثقل من أي نوع، أحياناً نعرف مدينة من خلال موسيقي، أو من خلال كاتب، أو سائق، أو فنان، وأحياناً من خلال قاتل مجرم.. قد يسكن الإنسان في مكان ما، فيعتاده، يحبه، تنشأ علاقة حب بينهما، ومع الزمن يلتصق كل منهما بالآخر، فلا يقدر أحدنا على فراق ذلك المكان، وإن فارقه، فسرعان ما يحنّ إليه، ويشعر بأن شيئاً ما قد نقص في حياته، فينقبض قلبه، كلما فارقه. حين يتحدث عن نفسه، يجد نفسه يروي قصة قريته، أو مدينته، فلا ندري أيهما أكبر؟.. دائماً ما تخطر لي أسئلة: هل الإنسان هو من يخلّد المكان «الوطن»، أم أن المكان «الوطن» هو من يخلد الإنسان؟ هل نسكن في الجغرافيا «المكان»، أم أن الجغرافيا تسكن فينا؟ هل علاقة الإنسان بالمكان تنشأ كشرارة تشعل نار حب متبادل، فتتآلف الروح مع الأرض.. هل يمكن أن نختصر الوطن في إنسان، أو أن نختصر الإنسان في وطن؟! من يصنع الآخر، الوطن أم الإنسان؟ هل يبني الإنسان الوطن، أم أن الوطن يبني الإنسان؟ بعض القادة خلّدوا أوطانهم، بما قدّموه لها، من عطاء، فخلدّتهم في حياتهم، وبعد موتهم، وبعض المبدعين من شعراء وكتاب ومثقفين، خلّدوا أوطانهم من خلال إبداعاتهم، فحفظتهم أوطانهم في حنايا ذاكرتها، في كل زاوية ربوعها، في رمالها، وترابها، وصحرائها، وبساتينها، وبرها، وبحرها، فهم ضميرها النابض بالحياة. قد يكون الإنسان عنواناً للوطن، وقد يكون الوطن عنواناً للإنسان، وقد يمثل الوطن إنساناً، وقد يمثل الإنسان وطناً.. الوطن ليس مجرد أرض وسماء، وشجر وحجر، وصحراء وماء وهواء، الوطن مهد ذكريات من لحم ودم، مثوى أحبة، مجد أجداد، مستقبل أحفاد، ليس مجرد مسمى على خريطة، إنما هو أرواح أبناء تنبض بالحب والعطاء، تبذل برضا وكل سخاء .. مانع سعيد العتيبة: أأحيا فيك يا وطنـي غريب الروح والبدنِ وأنت بداية الدنيــا لدي وآخـــر الزمــنِ ورملك كان لي مهدا ً وفي أحضانـــه كفني نزار قباني: يا صديقتي في هذه الأيام يا صديقتي.. تخرج من جيوبنا فراشة صيفية تدعى الوطن تخرج من شفاهنا عريشة شامية تدعى الوطن تخرج من قمصاننا مآذن.. بلابل ..جداول ..قرنفل.. سفرجل عصفورة مائية تدعى الوطن أريد أن أراك يا سيدتي.. لكنني أخاف أن أجرح إحساس الوطن.. أريد أن أهتف إليك يا سيدتي لكنني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن أريد أن أمارس الحب على طريقتي لكنني أخجل من حماقتي أمام أحزان الوطن. Esmaiel.Hasan@admedia.ae