قائمة العار التي تصدر عادة مع كل الثورات تختلف عن مثيلاتها في الثورات العربية، والتي عادة ما تكون خاصة بالفنانين والمثقفين من الصحفيين والكتّاب فقط، وكأن هذه الفئات محسوم أمرها بالنسبة لعامة الناس بالانحياز نحو نداء الوطن، وصوت الجماهير دوماً، وفي كل وقت وحين، ولم أر مرة لائحة أو قائمة للعار سواء في اليمن أو مصر أو تونس أو سوريا أو ليبيا تخص السياسيين ورجال الأعمال أو الحقوقيين أو الأطباء أو المعلمين، وكأن هؤلاء لا يهم على من يحسبون، وليس لهم ذلك التأثير في الناس، كما يحدث مع الشعراء والفنانين والصحفيين والكتّاب، الملاصقين لهموم الناس والمعبرين عن تطلعاتهم، وبالتالي هم مثقلون بحب الناس وما يضفونه عليهم من هالة وتقدير واحترام جدير بأن ترد في اللحظة التي يخرج الناس مطالبين بحريتهم وحقوقهم، ومعبرين بصوتهم.
لقد حاولت أن أجد مبرراً لطرح مثل هذه القائمة والزج بأسماء فنانين كبار في مهنتهم فقط، وقد لا يكونون على قدر المسؤولية الوطنية، وقد لا يكونون واعين سياسياً وثقافياً بما فيه الكفاية، وقد يكون البعض منهم مجرد إنسان “جاهل وسفيه ومتهتك وعبثي” خارج مهنته، ولكن الناس لا يريدون أن يفهموا ذلك، فما داموا سمحوا لهم بالدخول إلى بيوتهم دون استئذان، وتعاطفوا معهم حتى في مشكلاتهم الصغيرة، وعدوهم أفراداً حقيقيين من أهل البيت، فلا مبرر للخذلان، فحب الناس ليس بالشيء القليل، ولا يستحقه في حقيقته كل الذي يحمله، لذا تجد العتب دائماً من أجلهم، واللوم عليهم، فكيف وبعض من هؤلاء الفنانين من يجاهر بالصوت العالي: أنهم ليسوا من الشعب في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد، وأنهم فنانون على قد حالهم، ولا يحبون أن يتدخلوا بالسياسة، وبعضهم من أهل الليل وشغله وآخره، وأن أعمالهم الفنية ما هي إلا تمثيل في تمثيل، وبطولاتهم التاريخية هناك من يكتبها لهم، ويجدون صعوبة حتى في حفظ أدوارهم.
بعض هؤلاء الفنانين أو الكتّاب أو الصحفيين يطويهم النسيان، وبعضهم يجف إبداعياً، وبعضهم يحاول أن يتساير مع الموجة الجديدة، ويركبها نفاقاً، بعضهم تشفع له أعماله السابقة، ويرضى عنه الجمهور بدرجة بسيطة، لكن وصمة تلك القائمة تبقى ميسماً موجعاً ومؤثراً في النفس والجنب.
قائمة العار المنتشرة في سوريا والتي تكبر كل يوم بحيث تحول الممثل المحبوب إلى عدو الشعب، وتحول الزعيم في المسلسلات الرمضانية إلى خائن، وتحول ممثل الشعب “غوار” إلى مطالبة الجماهير بإسقاط دريد لحام، وأن معظم “قباضيات الحارة” الذين يواجهون المستعمر بصدورهم في أجزاء المسلسلات، لم يجدهم الناس في الساحات العامة، ليقولوا نحن منكم وفيكم، وأكتفوا بأبراجهم العالية التي لا ينزلون منها إلا كل رمضان مرة واحدة!


amood8@yahoo.com