هناك منضدة موضوعة فى أحد أركان غرفة مكتبي عليها إطاران صغيران، يضم أحدهما صورة لي مع الفيلسوف الفرنسي، جاك ديريدا، زعيم مدرسة التفكيك التي قامت بتقويض البنيوية الفرنسية، وأفسحت بعدها الباب لما أصبح يطلق عليه اسم تيارات ما بعد البنيوية. وجاك ديريدا أشهر فيلسوف فرنسي، وظل كذلك حتى بعد موته منذ سنوات قليلة، وشهرته تنطوي على نوع من المفارقة، فهي لم تنطلق من فرنسا، مثلما انطلقت شهرة رولان بارت وجاك لاكان وميشيل فوكو وغيرهم من أعلام البنيوية الذين شغلوا المشهد الثقافي العالمي، منذ نشر كلود ليفي شتراوس كتابه الأشهر “المدارات الحزينة” سنة 1955 لقد ظهرت شهرة ديريدا من الولايات المتحدة التي كان يذهب إليها أستاذاً زائراًِ في أحد أقسام اللغة الفرنسية بجامعة ييل، إن لم تخني الذاكرة، وقد أخذ يلفت الانتباه في مؤتمر عقدته جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة بعنوان “مجادلات بنيوية”، وقد شهد هذا المؤتمر بحوثاً لأساطين البنيوية الفرنسية، رولان بارت وتودورف ومعهما لوسيان جولدمان. وقد ألقى ديريدا بحثاً مدوياً، اعتبر بمثابة إعلان عن مذهب التفكيك، وكان بعنوان “البنية والعلامة واللعب فى خطاب العلوم الإنسانية”، وقد قمت بترجمته عن اللغة الإنجليزية، وتولت زميلتي هدى وصفي مراجعته على الأصل الفرنسي، الأمر الذي جعلها تقوم بإضافات وتعديلات كثيرة في النص العربي، ليتسق مع النص الفرنسي، وقد قمت بإعداد ملف عن ديريدا في مجلة “فصول” دورية النقد الأدبي التي كنت أرأس تحريرها، قبل أن أتركها لهدى وصفي. وكانت بداية معرفتى بكتابات ديريدا في الولايات المتحدة مع صدور الترجمة الإنجليزية لكتابه “علم الكتابة”، وكانت المترجمة وصاحبة الترجمة الناقدة النسوية الشهيرة جياتري سبيفاك التي وصلت بين النقد التفكيكي وخطاب ما بعد الاستعمار من منظور نسوي، ومنذ ذلك الوقت وجاك ديريدا في ذهني وعندما أنشأت المشروع القومي للترجمة كلفت منى طلبة وأنور مغيث بترجمة “علم الكتابة”، وقررت دعوة ديريدا لزيارة المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، ولقاء المثقفين المصريين، سواء المهتمين بالنقد الأدبي أو الفلسفة، وكان قبوله للدعوة مبهجا لي، وأحسبني قمت بواجبي خير قيام، سواء بتقديم محاضرته التي ترجمتها عن الفرنسية، وتولى ترجمة التعقيبات عليها حسن حنفي، وقمت أنا برئاسة مائدة مستديرة حول الأدب والتفكيك، وكان من نتيجتها هذه الصورة التي تجمعنى وإياه، ولا أعرف لماذا وضعتها مع صورة أخرى تجمعني وعبد الوهاب البياتي.