قبل الثورة المصرية بقليل نشرت جريدة هاآرتس الإسرائيلية مقالاً للكاتب يوآف برومر تحت عنوان” الديمقراطية .. مشكلة “، وأهم ما جاء فيه أن انتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل مشكلة لإسرائيل، لأن إسرائيل - كما يقول برومر - تبرم معاهدات سلام مع نظم غير ديمقراطية، تستخدم الكثير من أدوات القمع ضد المعارضين ما يوفر غطاء أمنياً وسياسياً لاستمرار المعاهدات كما كان الحال مع كامب ديفيد، تحليل برومر صحيح جداً، والدليل أنه بمجرد انهيار النظام في مصر، ثم حدوث مناوشات إسرائيلية ضد قطاع غزة ، اندفعت الجماهير المصرية بالآلاف في مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة 8 أبريل 2011م، هي الأولى أمام السفارة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979م ، كما أنها المرة الأولى التي يهتف فيها المصريون بوضوح “ الشعب يريد إسقاط كامب ديفيد”، ما يعني بالحسابات السياسية المجردة أن إسرائيل هي أول الخاسرين في المنظور القريب على الأقل.
الولايات المتحدة والغرب غير فرحين بما يحدث حتى وإن اعتبر البعض أن هذه الثورات إخراج هوليودي في جانب منها، فقد خسر الغرب حلفاء حقيقيين، ربما يستحيل تكرار نماذجهم مجدداً مع تنامي هذه الروح الجامحة نحو التغيير والديمقراطية والشفافية، وتحديداً في مصر التي تعيش مشهد محاكمات لرموز سياسية لم يمر بالذاكرة المصرية الجمعية في كل تاريخها.
إيران وكل من يتبعها في العالم ممن يهلّلون للفكر القائم على التسلط والتطرف والازدواجية، إيران التي تطرح نفسها نموذجا للإصلاح ونصرة المظلوم في حين يرزح دعاة الإصلاح فيها في السجون والمعتقلات، ومع الخارج تصدر تصريحاتها العنصرية والمستفزة بحق الجيران وأخوة الدين.
الفساد أحد أكبر الخاسرين في معادلة التغيير، خاصة أن أول أسس الحكم الرشيد هو إقامة العدالة والقانون بين الناس، وإشاعة الطمأنينة على الأموال والأنفس، بعيداً عن التجاوزات التي يولدها الفساد ويرعاها، ولعل الإرهاب واحدة من كبريات المؤسسات القائمة على الفساد والإفساد تحت لافتات وعناوين دينية وجهادية ليس لها من حقيقة الشعار إلا قشوره، وعليه فإن التطرف الذي نما وازدهر وفرّخ منظمات عالمية كتنظيم القاعدة ربما كان أحد الخاسرين الكبار فيما يحدث خاصة وان ازدهاره وتنامي شعبيته بين بعض القطاعات قد اعتمد على مقولات الحرمان وشيوع الظلم الاجتماعي والفساد السياسي، إذن وفي ظل حكومات رشيدة سيكون من اللامنطق بقاء هذه المنظمات والدعوات والأشخاص بكل ما يرشح عنهم من قتل وتدمير وتكفير ...!!
مصائب قوم لأقوام ومجتمعات فوائد، ولا يمكن أن تعيش الأمة كل هذه التغيير وهذا الانقلاب دون أن نرى اصطفافات منطقية من نوع خاسرين ورابحين، معارضين ومؤيدين، ولعل في مقابل هؤلاء الخاسرين يبدو النقيض رابحاً بكل تأكيد، لكن الأمر لا يزال في أوله، وهذا الوطن لن يترك في حاله يرتب بيته ويقرر خياره، هناك ألف عين ترصد ما يحصل فيه وألف مركز أبحاث ودراسات في شرق العالم وغربه تقيس نبضه ودقات قلب مواطنيه لأسباب يعلمها الجميع، منها كمثال لا حصراً الموقع والنفط والاستراتيجيات والأسواق المفتوحة ومصالح الشركات العابرة والمتعددة الجنسيات والكثير غير ذلك.


ayya-222@hotmail.com