البيوت الشعبية مفردة معروفة ومتداولة بين المواطنين، يطلقونها على مجمعات بيوت سكنية تسلموها من الدولة، ضمن السياسة القديمة الحكيمة القاضية بتوطين البدو في أراضيهم، ومع الوقت صارت البيوت الشعبية فرجانا جديدة تحكي حقبة من عمر الإمارات، حقبة ما بعد الاتحاد وما قبل الألفية الجديدة.
في تلك البيوت نشأنا وكبرنا، جيراننا سكنوا بجوارنا لم نكن نعرفهم قبل أن يشغلوا البيوت القريبة وعلى بعد من «شعبيتنا» يسكن بعض أقاربنا منتثرين بين «الشعبيات».
للبيوت الشعبية قصص وحكايا، جيرة انتقلت بمفهوم بيوت «العرشان» إلى بيوت الإسمنت، حيث الحياة الإماراتية الجميلة الحقيقية، تلك التي نحياها كل يوم ولم يصورها لليوم أي عمل تلفزيوني.
في البيوت الشعبية للجيرة معنى كبير ومهم، حق الجار على الجار معروف وموثق، ومحبته واجبة وموروثة، وزيارته جزء يومي من روتين الحياة.
هناك في الضواحي البعيدة عن العمارات الشامخة، يخرج « الشباب» إلى صلاة الفجر متكئين على بعضهم، وترى الصبية يحثون المسير إلى المسجد يغالبون نعاسهم، وأنوار البيوت تستيقظ شيئا فشيئا وراء الشبابيك.
عند السابعة، يتجمع صغار البيوت، يتجمهرون أمام بيت يسكن ركن الشارع، أصواتهم مرحة، وتعليقاتهم طريفة، يتنظرون الباص الأصفر الطويل، فهم يحبون أن ينطلقوا من تجمع واحد ويعودوا إليه كل ظهيرة، لأنهم « أولاد الفريج» وصداقتهم لا تفرقها البيوت.
هناك، لا يمكن أن يمضي الضحى دون أن ترى النسوة يخرجن من بيوتهن ليتجهن لواجب النهار «فوالة الضحى» التي تتنقل بين البيوت كل صباح، ترى أمهات وجدات، يلتحفن الطهر «بشيلة البيت» أبيضا نقيا ويمضين إلى بيت الجارة، يزرن المريضة، ويجالسن الأرملة، ويفرحن لأم العروس.
عند «الضحى العود» قد تطرق الباب «بشكارة» تبحث عن بعض «الطماط» أو تحمل كوبا تريد ملأه بالزيت الذي نفد، وصوت سيارة الغاز يملأ الدنيا إزعاجا!
عند الظهر لن تستغرب من وجود نوعين أو ثلاث أنواع من الغداء، لأن جارتنا أم فلان أرسلت «مجبوس»، بينما خالتك» فلانة» غداها «برياني»، ويمكنك أكل ما تريد.
وقت العصر في الشعبية، لا يمكن أن يمر دون مباراة كرة قدم حامية الوطيس، بين شعبيتنا والشعبية الثانية، فريقان يلعبان حفاة، بعضهم يربط «كندورته» على خصره، أما المرمى فهو «نعال» أكرمكم الله، وضعه حارس المرى كحدود لمرماه، وعلى كل سيارات الفريج تفاديه «الدعس» عليه، كي لا يعاقبه والده إذا انقطع النعل!
المساء في الشعبية يمر بنفس الألق الهادئ، تجمعات الشباب بعد صلاة المغرب، وضحكات الصبايا وراء الستائر، وحكايات الأمهات عن «علوم» الجارات، عن عالم الشعبية الإماراتية، والحياة الجميلة البسيطة فيها، بعيدا عن ضجة أبواق السيارات، وتزاحم «المولات»، وأبواب الجيران المغلقة في الشقق والبنايات.