لطالما أضحكتنا النكت التي تطلق على الصعايدة وخصوصاً حول عناد وطيبة هؤلاء الناس البسطاء، وسواء كانت هذه النكت مبالغ فيها أو ملفقة إلا أنها أكدت لنا بأنهم “أجدع ناس” كما أثبتوا دائما. صعيد مصر، الذي قدم الكثير من القصص للتاريخ، وقف في شهر رمضان الفضيل ليحكي لنا عن آخر مشايخه ولكن ليس آخر فرسانه. من جنوب مصر بدأت حكاية المسلسل الذي عرض على قناة أبوظبي الأولى “شيخ العرب همام”، وروى سيرة ذاتية لآخر ملوك الصعيد همام بن يوسف شيخ قبيلة هوارة. المسلسل يحمل في جعبته الكثير من الحكمة، والسياسة، والفروسية والأصالة، ولكن العلاقات الإنسانية كانت الأجمل. لذا لم تتمحور القصة حول رجل واحد فقط، بل في مجتمع عاش على الفطرة لينجب رجلا ينبض بقلوب الجميع، يسعى لتوفير الاستقرار والأمان لمجتمعه بكل ما هو متاح. وعلاقة همام بزوجتيه والمشاكسات بينهما أضفت الكثير من الإنسانية والطرافة على العمل. أجاد نجوم العمل أدوارهم فنقلونا إلى ما قبل 230 عاماً لنعيش تفاصيل ما تزال حاضرة في بعض المجتمعات بشكل مختلف ولتؤكد أن التجربة الإنسانية واحدة مهما اختلفت أشكالها وأزمانها. وقد يرى البعض أن الحالة الإنسانية المرتفعة للمسلسل ترجع لكونها من الزمن الجميل جداً، بمعنى أنه كلما عدنا إلى الوراء كان الزمن أجمل، وقد تكون هناك صحة في هذا الاعتقاد ولكن الجمال الكامن هنا تمثل في البساطة والوضوح في القيم والمبادئ. ومجتمع “شيخ العرب” متكامل متلاحم مترابط بسياج الدم والشهامة والكرم، ورغم وجود الدسائس إلا أنه راسخ بالقيم التي غدت أكثرها قصصاً من الماضي الجميل. فالزوج ليس هو الحبيب بل الأخ وابن العم. والصديق ليس سلم نرتقيه لنصل بل هو الذي نرتقي معه. ودماء الأقارب تحن وإن لم يحن الوقت. وأن القلوب لا تتوقف عن النبض.. لأن الحياة لا تتوقف عند أحد. والرجولة ليست في أيدي الرجال ولكن في عقولهم. كما أننا لن نستطيع أن نسرق أحلام الاخرين حتى لو نجحنا. “شيخ العرب همام” يجعلك تقارن بين الماضي والحاضر دون أن تشعر بذلك، وقد أكون تحت تأثير هذا المسلسل الذي يغوص بي إلى جذوري بلهجة تختلف نوعاً ما عن لهجة أهل الصعيد التي اعتدنا عليها. فالمسلسل بمثابة رحلة إلى الأصالة والجذور، فالشجرة لا تعلو ولا تبقى بلا جذور، كما لا نرقى بلا قيم. قد يبدو هذا العمل بسيطا في شكله إلى حد أنه أغرقنا بأفكار ومشاعر إنسانية أغفلناها مع غيرها من الأعمال وأضاف مفاهيم وأعاد أخرى، وحاكى الكثير من المجتمعات ودغدغ ذاكرتنا بأصالة منبتنا وبيئتنا “البدوية” البسيطة، التي هي منبع شيخ العرب همام. أمينة عوض | ameena.awadh@admedia.ae