أن تدعو إلى حرق كتاب مقدس، أو تسب شخصية إسلامية، فإنك تتعرض لمشاعر بشر، وتجرح وجدان مجتمعات بأكملها، وتخرج عن الذائقة الأخلاقية، وتضع وصاية عقلية فرد، على عقول ملايين البشر.. هذا ما فعله الكاهن تيري جونز عندما دعا إلى حرق نسخ من القرآن الكريم، وهذا ما سار على خطاه الداعية ياسر الحبيب عندما تعرض لشخص السيدة عائشة زوجة الرسول الكريم.. المتعصبون من شتى الأديان، والملل والنحل، هم عقبات كأداء في طريق التقدم الفكري، وهم أسلاك شائكة، تعرقل وتزلزل مكانة الحضارة الإنسانية، وهم نقاط سوداء في تاريخ الحضارة الإنسانية.. المتعصبون، يتحركون بفعل عواطف حمقاء، يدورون حول أنفسهم، منكفئون. إنهم معتدون مأسورون مخدرون، سادرون، لا يملكون الإرادة في الانعتاق من أسر الأفكار، والخزعبلات والأوهام التي عششت في أذهانهم، لذا فإنهم لا يتورعون في تشطير العقائد، وجز عنق القيم الإنسانية، والانكفاء على الذات إلى درجة السوداوية المقيتة. المتعصبون هم مقابر الشعوب، لأنهم يرفضون الحياء، ويرفضون إعمال العقل، ويرفضون الآخر بأي شكل من الأشكال. فماذا كان سيفيد الداعية ياسر الحبيب في سبه للسيدة عائشة، ماذا سيقدم السِّباب، في خدمة الفكرة التي كان يريد أن يكرسها في أذهان أتباعه.. السيدة عائشة زوجة رسول الله، شخصية إسلامية، قدمت ما استطاعت، وقضت نحبها، كسائر البشر، والتاريخ الإنساني لا يتوقف عند شخص أو فكرة، أو موقف، التاريخ الإنساني قطار سريع يحوي سجل البشر، ومراحله المتلاحقة، لاتتوقف عند نقطة، إلا وذهبت إلى أخرى، لأن أصل الحياة هي الحركة. أيضاً ماذا كان سيقدم للبشرية، أحمق فلوريدا، عندما دعا إلى حرق نسخ من القرآن، فأي إنجاز حضاري سيصل إليه لو فعل ذلك، غير الخزي والنبذ والاحتقار.. القرآن الكريم كالإنجيل، والتوراة، كتب سماوية مقدسة، لا يحق لأي كائن كان مهما بلغ به التعصب، والعمى الأخلاقي، أن يقف موقف الحقد إلى درجة الاحتراق.. قد نختلف وقد نتفق، ولكن الخلاف لا يعني إلغاء الآخر وإقصاءه ونسف ما يعتقده.. الخلاف البنّاء، هو أن نحترم جل المعتقدات، والمعتقدين، وأن نقترب ولا نغترب، ولا نحترب، ولا نضطرب.. الخلاف البنّاء هو أن نضع القواسم المشتركة بين شعوب العالم وهي كثيرة، وأكثر بكثير من المتفرقات.. الخلاف البنّاء أن نحترم مشاعر الآخرين، وأن نضعها موضع الرمش من العين، الخلاف البنّاء هو نكران للذات، واستنكار كل ما ينكر حق الآخر في الاعتقاد والتفكير، أياً كانت الفكرة، وأياً كان المعتقد. هذا هو التحضر الحقيقي، وهذه هي ثقافة العالم الواحد. أما من يحرق، فلابد وأن يحترق، وأما من يتنكر، فلابد وأن يُنكر. علي أبو الريش | marafea@emi.ae