فجأة، اختفت بقعة زيت عكرت “مزاج” أهل البيئة، وأفسدت استعداداتهم للمؤتمرات الدولية، والأيام العالمية بتدوير الأوراق والأكياس. وجعلتهم يلوذون بصمت عجيب حول المصدر الذي سبحت منه البقعة اللئيمة التي تمددت لأيام على الساحل الشرقي، وشلت حركة الصيادين والأنشطة البحرية في المناطق التي ظهرت فيها. للوهلة الأولى اعتقدت أنها ربما استعانت بقدرات الجني “شمهروش” الذي استنفر لمواجهة “الناتو” ولمع نجمه في سماء ليبيا، قبل أن نكتشف أن الوزارة تركت البلديات المحلية وإمكاناتها المتواضعة والمحدودة وحيدة مع البقعة التي لا نعرف حتى الآن كيف تكونت، ومن أين جاءت، وكيف سنضمن عدم تكرارها مستقبلا؟. كما لم نعرف من قبل أسرار تكون وتكرار ظاهرة المد الأحمر التي تضرب هذه الشواطئ. وهي أسئلة مشروعة ومهمة ، وليست من باب الترف الذي يمكن معه انتظار “نجوم البيئة”، لحين العودة من المؤتمرات والندوات والفعاليات، لأن الأمر يتعلق بالسلامة البيئية للشواطئ، ومناطق مصايد الأسماك التي تعد المورد الوحيد للصيادين في هذه المناطق، والذين لا مورد لهم سواه. وقد أصبحوا كالأيتام الذين تنظر إليهم الوزارة كعبء إضافي وصداع لا ينتهي، منذ حذف “الثروة السمكية” من تسميات الوزارة في التشكيلين الوزاريين الأخيرين.
ويوم أمس الأول كنت أقرأ في صفحة البيئة بملحق “دنيا الاتحاد” عن المآل الذي وصل إليه مبنى جمعية الصيادين في رأس الخيمة، والذي يقال له مجازا “مبنى”، بينما هو في الواقع مجرد غرفة يعود بناؤها إلى سبعينيات القرن الماضي، وتمت صيانتها وتأثيثها من جيوب صيادين في أمسِّ الحاجة للدعم. وفي الصفحة ذاتها كان وضع المزارعين في فلج المعلا أكثر إيلاما، وهم يعانون عجز وزارة البيئة والمياه عن مساعدتهم في مواجهة أزمة شح المياه التي جعلت الكثير من مزارعهم كما لو كانت “أعجاز نخل خاوية”، مقابل هذا النشاط المحموم الذي تبديه الوزارة للمشاركات الخارجية والمؤتمرات الوجاهية والأيام الكرنفالية والتصريحات المموجة المطولة من عيار “الألفي كلمة”، و التي تخصص لها من ميزانياتها الشيء الكثير. وحتى الإنجاز الذي بشرتنا به الوزارة مؤخرا عن اكتشاف أحد منسوبيها فطرا يكافح سوسة النخيل، اتضح أن الفطر المذكور قد تم اكتشافه وتسجيله في تسعينيات القرن الماضي، من خلال مشروع إقليمي مشترك بين المنظمة العربية للتنمية الزراعية ووزارة الزراعة والثروة السمكية وقتها، والتي قامت بتقديم وثائق تسجيله إلى وزارة المالية التي كانت تتولى عمليات تسجيل براءات الاختراع. كما تم تسجيل الفطر في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وعمل بصمة وراثية للفطر الذي يعد “من الأنواع التي تستخدم بكثرة في برامج المكافحة البيولوجية للآفات الزراعية على مستوى العالم”، ويسمى علميا “فاريا بسانيا”. وعرفت من مختصين أن السلالة التي تم اكتشافها في الإمارات تتميز بكفاءة إبادة أفضل للسوسة من السلالات الأخرى”.
إن ما نتمناه من وزارة البيئة والمياه، هو أن تكون أكثر شفافية في التعامل مع عقولنا للتمييز بين بقعة ضوء الإنجازات الحقيقية وبقع زيت بحاجة إلى المواجهة.

ali.alamodi@admedia.ae