منذ أيام قليلة نشرنا في صفحتنا الأخيرة صورة لإحدى الفارسات، تعثر جوادها أمام الحاجز، وكتبنا عنواناً «كبوة جواد»، وفي الصباح حدثتنا الأم، وهي أوروبية، تلومنا على نشر الصورة التي كانت في بطولة رسمية، وتقول إن الصورة أثرت سلباً على ابنتها التي تضاعف حزنها، فهي بالطبع متأثرة لعدم تحقيقها المأمول في البطولة بسبب تلك الكبوة، وجاء نشر صورتها ليزيدها حزناً. بالطبع أوضحنا وجهة نظرنا في الأمر، وأن نشر الصورة لا ينال من قيمة الابنة كفارسة واعدة، وأن ما حدث مجرد كبوة، وأن التعليق في هذا الإطار وفق المفهوم العربي لا ينفي مفهوم الفروسية، مستدلين بالطبع بمقولتنا المتوارثة «لكل جواد كبوة»، وتفهمت الأم منطقنا، ومضت «السالفة»، لكنها لم تمض بالنسبة إليّ، فقد تحدثت مع صديق لي، أسوق له الواقعة، باعتبارها تعد مؤشراً على المنهجية الصحيحة في التفكير، وكيف أن المنطق الأوروبي هو الذي ينتصر دوماً، وكيف أن خسارة نقاط أو بطولة تؤثر على الإنسان لهذه الدرجة، بينما كثير من لاعبينا يخسرون المباراة، ثم يخرجون من الملعب يضحكون وكأن شيئاً لم يحدث. وفاجأني الصديق بمنطق يقف على النقيض تماماً مما طرحته له، فهو يرى أن تلك السيدة بشكواها تلك وبحال ابنتها بعد الخسارة، هما من تأثرتا كثيراً بنا، حتى تخلتا عن المنهجية الأوروبية التي أقصدها، وأن اللاعبين الذين عنيتهم والذين يضحكون وهم خاسرون، على العكس، قد تأثروا بالنظرة الأوروبية العملية، وابتعدوا عن العاطفة التي لا تصح أن تكون معياراً للتعامل في كثير من الأحوال. وشرح الصديق وجهة نظره، فهو يرى أن المبادئ الصحيحة للعمل - أي عمل- تقول إن الدنيا لا يجب أن تتوقف عن الخسارة، وإننا لا يجب أن نغرق في بحر من الأحزان لأننا خسرنا مباراة، وإنما علينا أن ننهض ونعيد الكرّة من جديد حتى نحقق ما نريد، وأن تجاربنا في هذه الحياة وأعمالنا معرضة للنجاح والفشل، والبارع هو من يحول حتى الفشل إلى طاقة، وإن أمكن أن ينهض من هزيمته مبتسماً فذلك أروع ما يمكن أن ننظره ونتمناه. وما بين منطق السيدة، ومنطق الصديق، بدا الأمر أشبه باللغز، لدرجة الاستعانة بصديق ثالث متخصص في الشؤون الخارجية، اختزل المنطق الصحيح، فيما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية، وضرب مثالاً بثري عربي دخل على إثرها المستشفى وبيل جيتس الذي نهض منها أكثر عزماً وقوة، وقال: اجعلوا هذا التعاطي مع الأزمات نموذجاً أيضاً لما يجب أن يحدث في الانكسارات. الأمر بالطبع يبدو في نظر الكثيرين مبالغاً فيه.. أقصد أن يشغلني موقف بسيط كذلك كل هذا الانشغال، للدرجة التي يحتاج فيها إلى تلك المائدة المستديرة أو حتى إلى مشاركتكم فيه، ولكن هكذا الحياة، كل ما فيها درس، ومبدأ التعامل مع الخسارة والانتصار هو أيضاً يحتاج إلى ثقافة وإلى معرفة، وربما إلى تدريب، وأذكر أننا قديماً كنا نردد أنه لا يجب الزهو كثيراً عند النصر بل أن نتواضع وألا نفرط في الحزن عند الخسارة، وأعتقد أن هذا المبدأ الذي يرافقنا منذ سنوات هو الأنسب، بعيداً عن أي منطق آخر، أوروبياً كان أو من أي جنسية. كلمة أخيرة: من استطاع أن يطوّع مشاعره ويتحكم في انفعالاته، أعتقد أنه «سوبر مان» mohamed.albade@admedia.ae