كنت قبل أيام في الردهة الشمالية لأحد أكبر وأحدث المراكز التجارية التي افتتحت مؤخراً في دبي، ولا حظت أن الشاشة المتحركة في تلك الردهة تحمل تذكيراً باللغة الإنجليزية للزوار بضرورة مراعاة الذوق العام والاحتشام في الملبس، ورغم التذكير الذي يظهر على استحياء إلا أن المشهد لم يكن يوحي بأدنى تفاعل مع ما جاء فيه، خصوصاً أن المكان كان يعج بشتى الأجناس والجنسيات من مختلف أصقاع الأرض، وتذكرت الأزمة التي افتعلتها سائحة بريطانية وطريقتها في الرد على مواطنة دعتها لاحترام عادات وتقاليد البلاد، وكيف حورت الصحف الصفراء في بلادها الأمر والحقائق، وصورته كما لو أننا في مجتمع يقيد حريات من يعيشون فيه. في اليوم التالي تابعت تقارير في صحف ووسائل إعلام أجنبية كانت تتحدث عن قيام سلطات مدينة دبلن بولاية جورجيا الأميركية بإدراج السراويل الواسعة منخفضة الخصر التي تعرف بـ”ساغي” و” باغي” ضمن الألبسة غير المحتشمة، وحددت غرامة بقيمة مئتي دولار لمن يرتدي مثل هذه السراويل في الأماكن العامة. ونقلت شبكة “سي ان ان” الإخبارية عن فيل بيست رئيس بلدية المدينة عزمه على تعديل قانون البلدية الخاص بالاحتشام في الأماكن العامة، بحيث يمنع ارتداء مثل تلك السراويل أو التنانير القصيرة جداً. وأرجع بيست الأمر إلى تلقي سلطات المدينة العديد من الشكاوى عن أشخاص يرتدون سراويل منخفضة الخصر تظهر أجسادهم بصورة تستفز المشاعر، ولم يكن بيدنا فعل أي شيء سوى التدخل لفرض احترام الآخرين”. وبحسب قرار السلطات تصل غرامة المخالف لنحو مئتي دولار أو أكثر وفقاً لما تحدده المحكمة المختصة. وفي الوقت ذاته كانت مدينة برشلونة التي تعد أحد أبرز المنتجعات والمدن السياحية ليس في إسبانيا فقط، وإنما على مستوى العالم تطلق حملة لردع السياح الذاهبين للبحر أو العائدين منه عن التجول في وسط المدينة بثياب البحر أو بملابس غير محتشمة. وقال متحدث باسم المدينة لوكالة الأنباء الفرنسية “نريد أن يعرف هؤلاء أن هذا السلوك (ارتداء ملابس غير محتشمة) لا يريحنا، ليس ممنوعاً، ولا يعاقب عليه القانون حتى الآن، لكننا نراه غير حضاري”. ومؤخراً قامت الهند وبمناسبة استضافة العاصمة نيو دلهي الشهر المقبل لدورة ألعاب دول “الكومنولث” بإصدار إرشادات للسياح والزوار والمشاركين في الدورة تتضمن عدم ارتداء ملابس قصيرة أو تبادل القبلات والترحيب بالأحضان في الأماكن العامة، وتغطية الأكتاف والرأس عند زيارة المعابد والمزارات البوذية والهندوسية والسيخية. كما تضمنت هذه الإرشادات قواعد “الإتيكيت” التي يجب أن يراعيها أي شخص يزور البلاد، وحتى عندما يستضاف في منزل شخص هندي، لذلك فنحن عندما نطلب ممن يفد إلينا أن يحترم عادات وتقاليد أهل البلاد، فذلك ليس بالأمر الغريب أو الكثير، وليس فيه أي تقييد للحريات كما يروج البعض ويردد كالببغاء. ووجود جهة تتابع هذا الالتزام والاحترام وتتبناه يجنب المجتمع ظهور مشاهد كالتي حدثت بين السائحة إياها والمواطنة في أحد المراكز التجارية قبل نحو شهرين، وغياب مثل هذه الجهة شجع أيضاً بعض الإخوة العرب على تقليد الأجانب الذين قد نعذرهم لعدم فهم “الثقافة المحلية”، فجاء تقليدهم فجاً وأكثر استفزازاً. علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae