كما نعطي لأنفسنا الحق في أن ننتقد.. فمن العدل أن نشيد ونمدح عندما يكون هناك ما يستحق ذلك، والمديح أوجهه مباشرة تجاه لجنة الانضباط التي لا أعرف شخصياً أحداً من أعضائها، لكني أعرف جيداً أنهم نخبة محترمة من المستشارين والقضاة والقانونيين.. وكنت معجباً ولا زلت في أدائهم، خـاصـة في إشكالية باقة الورد التي أرقتنا في الموسم الماضي، وسر الإشادة هذه المرة في أن اللجنة الموقرة لم تعط لنفسها حقا لا تملكه، ورفضت مع سبق الإصرار والترصد أن تحل محل الحكم في قراراته التقديرية التي كفلها له قانون التحكيم الدولي. اللجنة درست بعناية فائقة واقعة اصطدام قدم اللاعب الجزراوي سبيت خاطر بوجه اللاعب الوحداوي حمدان الكمالي، وهي الواقعة التي لم يعط فيها الحكم الدولي على حمد قراراً ضد سبيت لتيقنه، وهو قريب من اللعبة، بانتفاء شبهة العمد. وعلى الرغم من وجود وجهات نظر كانت تطالب اللجنة بنقض قرار الحكم وتوقيع عقوبة الإيقاف لمباراتين للاعب سبيت خاطر من منطلق أنه تعمد، وعلى الرغم أيضاً أن اللجنة تعرضت لضغوط من داخلها في اتجاه العقوبة، إلا أن صوت العقل انتصر في النهاية، من منطلق التأكيد على أن الواقعة تدخل ضمن سلطات الحكم التي كفلها له القانون ولا يجب على اللجنة أن تتدخل في ذلك حتى لو كان تقديره خاطئاً.. طالما أنه شاهد الواقعة وأعطى تقديره فيها، ولم تحدث من وراء ظهره. لقد أرست اللجنة بهذا القرار الصائب مبدأ صحيحاً سيتم القياس عليه في وقائع مماثلة.. وهذا المبدأ يقول “ما للحكم للحكم، وما للجنة للجنة”، فكلاهما له عمله.. ولا يجوز أن يتدخل أحدهما في عمل الآخر، وهنا تستحق اللجنة التهنئة على حرصها على حماية مكتسبات التحكيم الوطني، والتأكيد على هيبة الحكام ودعم قراراتهم التقديرية التي تحدث أمام أعينهم، حتى لو رأى فيها الآخرون عدم صواب. وأذكر كل من يهمه الأمر أنه لم يولد بعد الحكم الذي أمضى مشواره التحكيمي بلا أخطاء.. سيظل الخطأ البشري موجوداً، ولن ينتهي حتى لو أدار المباراة 10 حكام، وسيظل الجدل قائماً، لأنه جزء من حلاوة كرة القدم وإثارتها. وأقول دائماً إنه لا مانع من انتقاد قرارات الحكام لكن دون أن نحاكمهم، فليس من العدل أن نفعل ذلك لحكم يتخذ قراره في جزء من الثانية دون أن يكون أمامه كاميرات ولا مكبرات ولا أجهزة حديثة ترصد كل شاردة وواردة في القرار. أما بعد من ينتقد الحكام لابد وأن يكون خبيراً بمعنى الكلمة في مجاله “هذا من الناحية المهنية”، ومن ينتقد الحكام لابد وأن يكون أميناً وعادلاً بعيداً عن تصفية الحسابات والأمور الشخصية “هذا من الناحية الأخلاقية” والله من وراء القصد. محمود الربيعي | mahmo d_alrabiey@admedia.ae