لم يكن خبر تصدر مخالفة “عدم ترك مسافة كافية” لمسببات الحوادث غريباً على مسامع من يستعمل الطريق بشكل يومي لعدة ساعات، فإحصائية وزارة الداخلية الأخيرة، أثبتت أن “عدم ترك مسافة كافية” تسببت في 128 حادثاً من إجمالي 1121 حادثاً على شوارع الدولة خلال الربع الأول من 2011، في حين تسببت في وقوع 230 حادثاً من أصل 1979 حادثاً في شوارع الدولة خلال الفترة عينها من 2010. سبب الحوادث هذا “عادي وطبيعي” في ظل غياب ثقافة استعمال الطريق عن كثير من مستعملي الطرق، ومهما حاولنا أن نترك مسافة الأمتار الثلاثة التي تنادي بها الجهات الشرطية فلن ننتهي أبداً من تصدر هذا البند لأسباب المخالفات، هذا بخلاف الازدحام الظاهر في معظم الشوارع، ما يعني أن ترك مسافة كافية.. له مسافة كافية أساساً من الطريق بند! مستخدمو الشوارع ينقسمون بين ثلاثة أنواع، إما عقلاء يلتزمون القيادة الهادئة السليمة، و” أشاوس الشوارع” وهم الذين ينظرون إلى الآخرين على أنهم “لا يفقهون شيئاً” وأن الطريق ملك لهم وحدهم يصارعون ويسرعون ويعتقدون أن من يربط الحزام “جبان” وأن من لا يسرع “غير متمكن”. أما النوع الثالث وهم “المترددون” الذين يفزعون من منظر أي سيارة “فور ويل” ويمكن أن يرعبهم منظر سيارة مسرعة، ولا تسأل عن حالهم إن سمعوا صوت بوق التنبيه فجأة! بين هذه الأنماط تضيع المسافة المتروكة، يأتي العاقل منهم ليتركها أمام سيارته، فيفاجأ بأحد أشاوس الطريق يستغلها ليمشي أمامه أو يتجاوزه، وحين يخفف من سرعته على أمل أن يترك مسافة مرة أخرى، يفاجأ بشخص آخر يستغل المسافة الجديدة، فيقرر ترك “هذا البند” وراء ظهره والمضي بدون تلك المسافة التي يستغلها من يريد اختصار دربه. وتصبح مشكلته كارثية حين يخاف من يمضي أمامه فجأة ويضرب “بريك” فيقع الحادث “بسبب عدم ترك مسافة”. هذا السيناريو ليس الوحيد لمثل هذه الحوادث لكنه الأكثر شيوعاً، فدوماً هناك من يقرر فجأة أن يضغط فرامل سيارته وسط الشارع لخوفه أو تردده أو حتى عدم تمكنه الحقيقي من القيادة، ويكون مطمئناً لأن من خلفه سيتحمل المسؤولية القانونية كاملة عند وقوع الحادث. تبدو السيطرة على هذه المخالفة ومنع تزايدها مشكلة حقيقة وسط الازدحام الذي تشهده شوارعنا، ونفاد صبر الناس مستعملي هذه الشوارع، وغياب ثقافة أدب وسلوك الطريق عن الكثير منهم، كما أن خوف معظم سائقي الشوارع خاصة أصحاب الرخص الجديدة يزيد من حجم المشكلة ويفاقمها. على إدارة المرور والترخيص سن بند جديد يخالف بموجبه كل من تصدم سيارته من الخلف ثلاث مرات في السنة ذاتها، لأن الكثير من ضحايا هذه المخالفة يتعرضون لنفس الحادث مرات ومرات، ليس لعدم ترك الآخرين مسافة وراء سياراتهم ولكن لخوف أصحاب السيارات المتضررة وفراملهم المفاجئة وسط الطريق السالك.