البعض يُريد أن يختزل الزمن، ويُريد أن يبتر المراحل، وأن يحرق التاريخ بزلة كلمة أو جرَّة قلم.. البعض يُفكر في المقلوب، ويمضي عكس تيَّار الزمن، ويذهب بعيداً باتجاه استباحة المكان فقط لأنه يريد ذلك، ولأنه فشل في تحقيق ذاته لفقدانه أدوات النجاح، فلجأ إلى الالتواء وإلى الانضواء ضمن مسارات متعرِّجة قد تؤدي به إلى الفشل الذريع، والأكثر فظاعة، ما يحدث الآن على الساحة الإماراتية، فقاعات، وطفح جلدي الهدف منه التعبير عن عُقد نقص، وعن مركبات سوداوية أطاحت بأصحابها، ويُريدون أن ينقلوا العدوى إلى المجتمع كله.
البعض يُريد أن يدخل تجربة عباس بن فرناس، شاهد الطير يحلِّق في السماء، فأراد أن يقلده فوقع وانتهت التجربة بتهشيم العظام وتفتيت الأمنيات عند صخرة الأوهام.
البعض يُريد أن يقلِّد ما يجري في العالم من حوله، وبدون مقدمات، وبدون خطوات تؤدي إلى تحقيق الأمنيات، وبدون مبررات تبيح هذه الطموحات العشوائية، وبدون أدوات نجاح يمتلكها أصحابها لأنهم لا يقبضون إلاَّ على حفنة من فراغ، ولا يتأبطون تجاه الوطن غير الشر المستطير.
البعض هاوٍ للصرعات، كما يفعل المراهقون، يُريد أن يرتدي ثوباً لا يليق به، لكنه يصر على ارتدائه فيبدو عليه فضفاضاً متهدلاً نافراً مقززاً يشمئز منه من يراه.. البعض لا يرى في الوطن شيئاً جميلاً لأنه يحمل في قفصه الصدري قلباً قبيحاً، وفي أعماقه تسكن روح قميئة بذيئة، ما يجعله يقف على ناصية المكان مكفهراً قاتماً ولا يعرف الإجابة عن أسئلته المبهمة.
البعض يكره نفسه لدواع شخصية تاريخية خاصة به وتنعكس هذه الكراهية لتشمل الوطن وأناس الوطن، وكل من يقطن هذه الأرض فيبدو شاذاً أقصى نفسه بنفسه، فانزوى في الركن الخلفي من العلاقات الاجتماعية، هؤلاء أموات أو على أقل تقدير إنهم يُعانون من موتٍ سريري، وهؤلاء يحتاجون إلى علاج نفسي وفي أقصى سرعة ممكنة لأنهم بأمراضهم يشكلون عبئاً وخسارة للمجتمع، هؤلاء يحتاجون إلى عناية مركزة لأن حالتهم وصلت إلى مرحلة الهذيان الذي يفسر عن انفصام الشخصية وجنون العظمة.. هؤلاء يفسرون ويحللون ويدللون ويزملون كلامهم بألفاظ تخفي الحرائق وبمختلف الطرائق.
هؤلاء ينظِّرون عن أحوال المجتمع وهم الذين لا يعيشون همّ الناس، بل هم يتاجرون بها ولا يريدون أن يقاضوها بتأييد الناس لآرائهم البائسة.. هؤلاء كمن يتاجر بالخردة، يلمعها بلسانه ويحاول أن يجعلها صالحة للاستخدام العام، لكنها للأسف لا تصلح إلاَّ أن تكون في مزبلة التاريخ.
هؤلاء انتهازيون وأصوليون أرادوا أن يستفيدوا من أوضاع المنطقة لتحقيق مآرب أخرى.. ونسوا أن مجتمع الإمارات يحوي من الشباب ما يكفيه بأن يفرِّق بين الصالح من الناس والطالح.. شبابنا أكثر وعياً من كثير من المنظرين لأنهم يفهمون أوضاع المجتمع بالمعايشة لا بالقراءات الخاطئة.


marafea@emi.ae