شاورهن وخالفهن جملة معروفة ومتداولة جداً في المجتمع، لدرجة أنها باتت أشبه بالقول المأثور، ويستخدمه البعض لتحقيق أغراض معينة، خاصة شوابنا الذين يظهرون من خلال هذه الجملة الجميلة درجة تقديرهم واحترامهم لنصف المجتمع الآخر،”بنات حواء”، أهمية مشورتهن وإحساسهن بأن لهن قيمة ومكانة ويجب أخذ مشورتهن، وأن المرأة ليس قطعة أثاث بالمنزل أو شيئاً مهملاً بل لها مكانتها ودورها الحيوي والمهم، فكان الآباء والأجداد الذين سمعنا منهم هذه المقولة يظهرون مقداراً من الاحترام للمرأة ومكانتها، فيما يتعلق بمشورتها، وإن كانوا غالباً لا يأخذون برأي بنات حواء.
وهو ما ينطبق تماماً على الهيئة الاتحادية للتأمينات والمعاشات التي حرصت مشكورة على طرح استبيان لمعرفة رأي النساء العاملات بفكرة تقليص فترة عملهن، والسن القانونية التي يمكن أن يحلن بعدها للتقاعد، فكان الرد والرسالة واضحة بتأييد مطلق وبصوت واحد مدو هتفن نعم لتقليص سن التقاعد إلى 15 عاماً، فاستبشرن خيراًَ، من هذا الاستبيان الذي جاء الرد على نتائجه الإيجابية كالصاعقة من هيئة المعاشات التي أعلنتها صراحة أنها لاتفكر في تقليص سن الحصول على التقاعد المبكر.
فالهيئة طبقت مقولة شاورهن وخالفهن، فقامت بأخذ مشورتهن ورأيهن في القضية الحساسة والمهمة التي طرحتها، لكنها تراجعت وسجلت موقفاً غريباً جداً بإعلانها أنه لا نية لديها في تخفيض سن التقاعد للمواطنات العاملات، إذن فلماذا طرحت الهيئة الفكرة أصلاً؟، ولماذا فتحت الباب لنقاش الموضوع ومعرفة آراء الموظفات العاملات ما دام القرار محسوماً ولا نية في بحثه وتعديله وإن كانت كل الآراء تؤيد وتساعد تخفيض سن عمل المرأة لما لها من دور اجتماعي وأسري في غاية الأهمية، وإذا أسهمت المرأة مع الرجل في مقتبل عمرها ببناء الدولة، والعمل في مختلف القطاعات والمجالات، فيجب التعامل والنظر على أنها أم وزوجة لأسرة ننتظر منها الكثير لتخريج وتأهيل أجيال للمستقبل، وهؤلاء الأجيال بحاجة لعناية ورعاية وتواجد من الأم خاصة، كي تربي أجيالاً قادرة على العطاء ومتشبعة بحب الوطن، وتبني أسراً قائمة على أسس صحيحة قوامها، عاداتنا وتقاليدها العربية الأصيلة التي يجب أن تتشبع بها من الأم، والمطالبة برعاية واهتمام الزوج والأب والابنة والأسرة، لانريد أطفالاً تربوا على أيادي الخادمات والمربيات اللاتي قصدن بلدنا من شتى أرجاء المعمورة للعمل والتكسب، فلا نردهن مربيات ناقلات لثقافتهن وعاداتهن لأطفالنا أجيال الغد.
إن بنات حواء ونصفنا الآخر ينتظرن مسؤوليات عظاماً في غاية الأهمية، يجب على كافة الجهات والأطراف تسهيل مهمتهن في أداء دورهن الحقيقي والرئيسي في الحياة، فخروج المرأة لسوق العمل لايعفيها، ولن يعفيها أبداً من القيام بواجباتها الأسرية والمجتمعية، فهي كما قلت سابقاً الأم والزوجة، وإن دعتها ظروفها وحبها للإسهام في بناء الوطن، ودفع عجلة التنمية والبناء ذلك لايجب أن يكون ذريعة وسبباً للتعامل معها كموظف فقط تطبق عليه كافة الأحكام والشروط.


m.eisa@alittihad.ae