الاتفاق.. ربما تأخر، ربما تعثر، ربما تبعثر، وربما توتر واستتر لكنه أصبح من الممكن، ومن الحقيقة أن تسفر الحقيقة عن وجهها لتؤكد أن القضية الفلسطينية بلا اتفاق الأشقاء قضية خاسرة وحاسرة وعرضة للانهزام والاستلاب والضياع.. فعندما يختلف الأشقاء في فلسطين، وتفترق دروبهم تصفق إسرائيل مهلهلة، مزلزلة الأرض ومن عليها لأنها كيان لا يعيش إلا على ضعف الآخرين، واختلافهم وضياعهم وشتاتهم.
الاتفاق هو الحقيقة التي كان يجب أن يبحث عنها كل فلسطيني مهما اختلفت مشاربه ومناقبه وتوجهاته وطرائقه، لأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بوحدة الصف الفلسطيني الذي يعني قوتهم وصلابة موقفهم وثبات مطلبهم، فالعالم شرقه وغربه لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يستمع إلا لصوت الجماعة الموحدة الواثقة من قدراتها وإمكاناتها المصممة على تحرير الأرض بدماء الأبناء مهما تنوعت الألوان والأشكال يظل المضمون الفلسطيني واحداً ألا وهو إعادة الحق المستلب إلى أصحابه.. وقد جرب الفلسطينيون الخلافات العقائدية وعانوا ويلاتها ودفعوا الدماء رخيصة بأسبابها، وكانت إسرائيل الوحيدة الرابحة في ذلك السجال الدموي بين الأخوة الأعداء.
اليوم حانت الصحوة بعد الكبوة والجميع يندفع باتجاه الحل النهائي لذلك الانشقاق والمطلوب اليوم أيضاً أن ينتبه الجميع، ومن كل الأطراف لما قد يعترض المناقشات والمداولات من منغصات، فيجب ألا تؤدي تلك العقبات إلى طرق مسدودة تعيد الأمور المأساوية إلى سابق عهدها، فيجب أولاً وقبل كل شيء تصفية النفوس وتنقية الأجواء من غبار السنوات السابقة والدخول في الحوار بقلوب راضية مرضية وعقول مفتوحة على آخرها تتقبل الآخر من دون مقدمات أو متأخرات، انتماء إلى القضية الجوهرية التي يهون في سبيلها الكرسي والنفوذ وترخص بشأنها كل ما تختزنه الذاكرة من موروث سيئ السمعة، لأن الحاضر أهم ولأن مستقبل الناس الذين يعلقون الآمال على قيادتهم له الأولوية القصوى، فلا مجال للتراجع ولا محل للتفكير بعقلية داحس والغبراء، يجب أن تدفن كل هذه الخزعبلات، ويجب أن يتم تجاوز كل ما قد يفرق ويمزق ويهرق الدماء الذكية.. باتفاق الفلسطينيين يفرح البعيد والقريب ماعدا إسرائيل لأنها المستفيدة الوحيدة من إزهاق الدم الفلسطيني على يد الفلسطيني.. نتمنى أن تستمر مسيرة الاتفاق وأن يحظى الحق الفلسطيني دفاقاً وفاقاً بالصدق والإخلاص ولا نتمنى مصافحات ثم قبلات ثم بعدها نخرج بالمثل القائل “كأنك يا بوزيد ما غزيت”.
نتمنى أن تكون للحب مساحة أوسع من مساحة أي منصب.


marafea@emi.ae