اعترض صديق على تشبيه العلاقة بين المبدع والناقد، بالعلاقة التي تجمع بين المحقق القضائي والمتهم. قال إن النظر بعين الإتهام الى المبدعين، يحمل في طياته نوعا من “المكارثية الأدبية”، على الرغم من ضرورة إخضاع النصوص باستمرار إلى آليات صارمة من المساءلة والإستجلاء. ابتدع صديق آخر تشبيها طريفا، مستمدا من عالم التلفزيون وإغواءاته. قال إن المبدع والناقد تجمعهما علاقة كتلك التي تقوم بين “توم وجيري”. يدخل القط والفأر الشهيران في الرسوم المتحركة، في معارك لا تنتهي، ومطاردات عقيمة، ومقالب لا يمكن تصوّرها، لكن بقائهما يحتاج إلى ثنائيتهما اللصيقة. خرجت هذه التشبيهات خلال حوار عن الكتابات النقدية التي تقارب المنتج الإبداعي الإماراتي في الشعر والقصة والرواية. وهو منتج يتسم بغزارة ملحوظة، يغذّيها مبدعون مخضرمون وجدد، ويتميز أغلبهم بالجدّة والجدية. وفي المقابل، تتسم المتابعة النقدية المرافقة، بميزة شبه وحيدة هي الغزارة، التي تحتاج إلى المزيد من الجدّة والجدية. وبشكل أوضح فإن أغلبها يفتقر إلى محاكمات المحقق القضائي، ومشاغبات “توم وجيري”. ولا نعفي أنفسنا في “الاتحاد الثقافي”، من مسؤولية تركيز هذا النمط النقدي، الضاحك دائما بلا سبب. هناك نوع من الإسقاطات الثقيلة في الكتابات النقدية عن الإبداع الإماراتي. هناك محاولات دائمة لتأويل النصوص في خارج سياقاتها، بالإضافة إلى مقارنات متعسفة مع نصوص عربية وأجنبية شهيرة. ومثل هذا النوع من التأويل والمقارنة، ينطوي على إساءة للنص الخاضع للمناقشة. ولعل أطرف، وربما أعقم، ما تضمنته الكتابات النقدية تلك، هو ابتداع “هوامش تأسيسية”، سرعان ما تصبح سذاجتها أقرب إلى الهذيان النقدي. من ذلك ما كتبه أحدهم، من مقدمات تأسيسية لحضور ثيمة الجسد في النص الإماراتي. يقول الناقد حرفيا: “الرجل الخليجي يستخدم “الكندورة البيضاء” في الغالب كزيّ يومي ورسمي، لكنه يطلب من صانع تلك “الكندورة” التفنن في خلق حالة من التطابق المنسّق بين ثنايا بدنه ومقاييس “الكندورة” سعيا وراء إبراز جمالية جسديّة يزيدها الرجل الخليجي كمالا باستخدام “نعال” أبيض اللون لكي تكتمل صورة التناسق اللوني الذي يظهر فيه جسدا جاذبا، بل يزيد الرجل الخليجي ذلك باستخدام “موبايل” أبيض اللون للغرض نفسه (...) إن كل تلك المكمّلات التجميلية ستحجب جسمية الجسم الأصل شطر جسديّة ذكورية جاذبة لمن يقصده الجاذب”. (!) قرأنا ذلك التمييز المبدأي، الذي كتبه رولان بارت، عن العلاقة بين حقيقية الجسد (جوهره) وشكله الخارجي، للاستعانة بها على الوصول إلى أغوار ما قصده الناقد في قراءته الجسدية للنصوص، فاستغلق القصد والقص... كان لا بد من مراقبة “نعال” ـ أكرمكم الله ـ جميع الزملاء، بحثا عن البياض الذي يكمل التناسق اللوني خارج النص وداخله، فوجدنا أن نسبة ضئيلة من الذكور الإماراتيين ينتعلون الأبيض.. أما عند السؤال عن “الموبايل” الأبيض في أيدي الشبّان، فإن الأمر يبدو وكأنه اتهام سلوكي يستوجب الاعتذار.. فـ”الموبايل” الأبيض، والملون عموما، هو علامة أنثوية خالصة، ولا يمكن أن تكون من المكملات التجميلية للذكورة. وقد سألت صديقا هل يطلب من صانع “كندورته”خلق حالة من التطابق المنسّق بين ثنايا بدنه ومقاييس “الكندورة”، فأجاب: عندما تشتري سترة أو قميصا، ألا تراعي تناسب القياس والتصميم وثنايا بدنك؟ أليس ذلك هو من الأصول الأولية للأناقة؟ انكفأت مفكرا في النصوص الإبداعية التي يكتب عنها ذلك الناقد بإبرة الخياط ومقصاته... adelk58@hotmail.com