سوف أعود بكم هذه المرة إلى الوراء لأروي لكم قصة معلم معماري يعد شاهداً على تاريخ حقبة من الزمان ويعد أحد أبرز رموز تركيا وبالتحديد مدينة أسطنبول، والتي كانت أثر من آثار البيزنطيين لآلاف السنين، وأصبح فيما بعد جامعاً استمر كذلك لمئات السنين، حتى منتصف القرن العشرين في العام 1953 عندما حوله مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، إلى متحف تاريخي، يستقطب آلاف الزوار والسياح من أنحاء العالم على مدار السنة، ليضم المئات من الكنوز الإسلامية والمسيحية التي لا تقدر بثمن، إنه متحف ومبنى « أيا صوفيا». لقد كانت زيارتي للكنيسة، والجامع، والمتحف، التي تقع جميعها تحت سقف واحد، أمراً لا ينسى ومتعة لا تنتهي خاصة أنها تعود بك إلى أزمان وقرون من الماضي العريق الذي لن نعيشه أبداً مهما حيينا، خاصة أنك تزامن بعينك فترة زمنية حاكاها المسيحيون وأخرى المسلمون، فمبنى (آيا صوفيا) و التي تعنى (الحكمة المقدسة) كان كنيسة نصرانية قبل الإسلام ، بناها الأمبراطور الروماني جوستينان سنة 326م، وبعد فتح الأتراك العثمانيين لمدينة أسطنبول أمر السلطان محمد الفاتح بتحويلها إلى جامع، وصلّى فيه أول صلاة جمعة في سنة 875هـ/1453م، وبنى للمسجد منارة خشبية مع محراب وأطلق عليه اسم (آيا صوفيا). ولا تقف متعة المبنى عند تاريخه بل يستشف ويلاحظ الزائر الفن المعماري الراقي الذي استخدم لتشييد المبنيين، فالمسجد عبارة عن صحن مرصوص بالرخام و الجدران مطعمة بالفسيفساء المزينة بالأحجار الثمينة واستعملت في زخرفة بنائه المعادن الثمينة التي تعود لآثار الفن البيزنطي، وأعمدة الرخام المستعملة في البناء جلبت إليه من هيكل (أرتيميس) وهو عبارة عن معبد الآلهة السابقة الذي تم بناؤه في العام 500 ق.م كما يوجد في فناء المسجد الداخلي نافورات لغرض الوضوء، وفي الزاوية الجنوبية من المسجد شيدت منارة من القرميد، بدلاً من المنارة الحجرية، وللمسجد قبة كبيرة ويعتبر القسم البرونزي الموجود في الجهة الجنوبية من المكتبة تحفة فنية رائعة، وجدران هذا القسم مغطاة ببلاط ثمين يعود صنعه إلى القرن الرابع عشر الميلادي. ولم يخل المبنى من الأساطير، والحكايات عن سبب بنائه والتي كانت أشهرها، حكاية الأمبراطور جوستينان، الذي حلم ذات ليلة، أن رجلا عجوزا وقف في موضع المسجد الحالي، وحمل بيديه صينية عليها خريطة البناء، وأمره بتشييد كنيسة حسب مواصفات الخريطة، وعندما أفاق الأمبراطور من نومه استدعى مهندسه المعماري الذي رأى الحلم ذاته وبنى هذه الكنيسة. وللمبنى رهبة ووزن تاريخي ثقيل أثر في النقاد والمثقفين وفيه قال شاعر النيل حافظ إبراهيم، أحد من عبر عن خوفه الشديد على مصير جامع «أيا صوفيا» الذي حولته الجمهورية ايام اتاتورك إلى متحف وذلك بعد سقوط الخلافة الإسلامية، فكتب قصيدة مؤثرة بعنوان «أيـا صوفـيـا» وكان مطلعها . «أيا صوفيــا حـــان التفــــرق فاذكـــري عهــود كــرام.. فيــك صلَّـــوا وســلمـوا» MAARY191@HOTMAIL.COM