حسناً فعل تلفزيون أبوظبي بخُطوته الجريئة والمهمة جداً بالتصدي لإنتاج مسلسل درامي لرواية «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي. وهذه الخطوة تؤكد مسؤولية وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة في الحفاظ على اللغة العربية وإحيائها وتوعية أبنائها بأهمية لغتهم وقدسيتها، لا من خلال الكلام الإنشائي المجوف، بل من خلال خطوات عملية عملياتية ميدانية، كما فعل تلفزيون أبوظبي. بلاشك إنّ إنتاج عمل درامي لرواية «أدبية» عمل محفوف بالمخاطر، خاصة في خضم احتدام المعركة بين المسلسلات في «سوق عكاظ» الرمضاني، ولكن ذلك قبل كل شيء هو وعي من القائمين على تلفزيون أبوظبي بأهمية إتاحة الفرصة للغة العربية كي تثبت صلاحيتها لكل زمان، على الرغم من تأثر الذوق العام بالتسطيح أحياناً وبالتسفيه أحياناً أخرى، وأن لغة الأدب الفصيحة تستطيع التعبير عن هموم ومشاكل المجتمع العربي على اختلاف ألوانه وأطيافه. .. لا يستطيع أحد أن ينكر جاذبية لغة الحوار الفصيحة في مسلسل «ذاكرة الجسد»، وقد جاءت لغة شفافة هفهافة كالنسيم العليل انسابت بكل رقة في وجدان ومشاعر المشاهدين، متماهية مع الشخصيات التي انسجمت انسجاماً ما بعده انسجام نتيجة سحر وجاذبية اللغة. وسواء كان العمل ناجحاً بالمقاييس النقدية «المالية والتجارية» من حيث جلبه ريعاً مالياً قياسياً، أو بالمقاييس النقدية «النقاد»، أو بالمقاييس الجماهيرية باستقطابه جمهوراً كبيراً، أو غير ذلك، إلا أنه على الأقل أمتع جمهوراً خاصاً أو نخبوياً حُرم لفترة طويلة من مشاهدة أعمال روائية بالفصحى، وهذا الجمهور أحس بمتعة حوار كاتبة السيناريو «ريم حنّا» والتي أجادت تحويل خصوصية الرواية (الجزائرية) إلى رواية تخاطب المشاهد العربي من محيطه إلى خليجه بلغة مفهومة سلسة بعيدة عن التقعير (اللغوي) وغير بعيدة عن الفصحى السهلة المستأنسة. ولسنا هنا في وارد تقييم العمل بحد ذاته، إنما نتناوله من حيث إشراقة اللغة فيه وتسليط الضوء من جديد على اللغة الفصحى وإثبات أن لهذه اللغة سحراً وجاذبية وتألقاً لا تملكها أي لهجة مهما كانت، ولا تستطيع أن تعبر كما عبرت الفصحى في هذه الرواية.. وإن كانت هناك إضافات لغوية وحوارية من كاتبة السيناريو «ريم حنّا» إلا أنها إضافات - أظن أنها - في غاية الأهمية من حيث تناولها واستعمالها لغة في منتهى البساطة والوضوح استطاعت التعبير عن مكنونات الشخصيات بشكل عام ومكنون الشخصية الرئيسية خالد بن طوطاح (جمال سليمان) والتي تدور الأحداث الرئيسية من خلاله.. وهذا بالطبع لا يتنافى مع قوة الرواية الأصلية التي نالت جائزة نجيب محفوظ عام 1997 وصدرت عام 1993 وطبع منها حتى اليوم أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، وتدرس الآن في جامعات عربية وأوروبية. ومن جديد تثبت الرواية بالفصحى جماهيريتها فقد استفاد مخرج «ذاكرة الجسد» نجدت أنزور سابقاً من تجربة لا تقل نجاحاً في أخذه رواية حنا مينة «نهاية رجل شجاع» وأظن أن ذلك سيشجع الآخرين على العودة إلى الأدب ونبش كنوزه لاستخراج لآلئ الأدب. بالعربي الفصيح: نقول لتلفزيون أبوظبي: بوركت خطوتكم بإنتاج عمل روائي ونتمنى أن يكون ذلك نهجاً جديداً في إحياء الأدب واللغة العربية.. لا مجرد طفرة أو زوبعة في فنجان. ونقول للعاملين في هذا العمل من مخرج وكاتب وكاتبة سيناريو وممثلين وغيرهم: بوركت جهودكم وبالتأكيد هذه بصمة جديدة لكم لن تمحى أبداً من الذاكرة. Esmaiel.Hasan@admedia.ae