قبل بداية العام الدراسي بفترة طويلة تجاوزت الشهر، أعلن المسؤولون في التربية أن الاستعدادات تجري على قدم وساق، وأن كل شيء على ما يرام، ولا ينقص المدارس سوى حضور الطلاب ليباشروا عامهم الدراسي، بكل نشاط وهمة، وكان أولياء الأمور ما بين متفائل ومتشائم، وما بين بين أن منهم من “تشاءل”. المتفائلون فرحون بالتصريحات الجميلة والتي تشرح الصدر وتزيح هم السنوات الفائتة عن القلوب التي أتعبها الانتظار الى بعد شهر أو أكثر حتى تنتظم الدراسة. المتشائمون لم يستطيعوا التخلص من صدأ الماضي، لذلك لم يعبأوا بما يقال وما يُصرح به من أخبار وبقوا على العهد حتى اليوم الأول للعام الدراسي، الذي لم يخيب ظنهم في تكرار ما سبق ممارسته في تأخير وفوضى عارمة وعدم توفير ما يلزم لبدء العام الدراسي.. “المتشائلون” بقوا مترقبين، منتظرين، تحيط بهم الهواجس، وتلعب بهم الظنون، فهل يصدقون التصريحات الزاهية، أم يقتنعون بأن الواقع كما هو ولا تغيير سوى في الكلام، والكلام كثير، بل أكثر من حبات الرمل الذي تدوسه أقدام أبنائهم، يحملون حقائب السفر الطويل باتجاه المدارس.
ماذا عن الواقع؟ الواقع أثبت أن كل التصريحات لم تكن في محلها وأن الطلاب الذين تحزموا بخيوط الأمل وتحملوا حقائق الأمنيات على أكتافهم لم يجدوا شيئاً يفرح النفس ويثلج الصدر. فالدوام المدرسي كما قررته التربية هو يوم الأربعاء، ولكن يوم الأربعاء هذا كان شبه غائم وجاهم ومكتئب ومتسيب، فالأدوات المدرسية كانت في حيرة من أمرها لأن الطلاب حضروا في الموعد المحدد، ولم يحضر النظام الذي يلبي مطالب اليوم الدراسي، المدرسون يقفون في الباحات المدرسية والدهاليز والصالون، تائهين ضائقين فاقدين للدليل والبرهان، ينظرون الى طلابهم بعيون الخجل والوجل، لأنهم لا يعرفون ماذا يقولون لهم. هل يطلبون منهم البقاء في المدرسة، وبدون جدوى ودون يوم دراسي، ودون الكتب التي هي صحائفهم التي سينهلون منها العلم، أم يقولون لهم عودوا أدراجكم، وتعالوا بداية الأسبوع القادم. فلا الجواب الأول يحل مشكلة، ولا الثاني يفك العقدة، لأن أولياء الأمور تركوا الأمانة في المدرسة وذهبوا إلى مصائرهم، الأمر الذي قد يسبب معضلات أفدح لأن بعض الطلبة في المرحلة الثانوية، لو ترك لهم الحبل على الغارب وقيل لهم اذهبوا إلى بيوتكم فسوف يذهبون، ولكن ليس إلى البيوت وإنما إلى أماكن أخرى، فيها من المصائب والعجائب والخرائب ما يذهب العقل ويجعل أولياء الأمور يلطمون على الخدود ويستنكرون الوعود التي لم تتحقق أصلاً، ويعودون باللائمة على التربية التي لم تراع أقوالها بالشكل الذي يتناسب مع منهجها كمؤسسة تربوية يجب أن يكون الصدق أول الثوابت فيها، وهذا ما يجعلنا “متشائلين” دائماً.


marafea@emi.ae