قد يتساءل البعض.. هل حب التملك وصفة الأنانية وجهان لعملة واحدة ؟! أم هما جشع ومرض نفسي يتملك من يتصف به فيوصله إلى درجة ومرحلة قد يكون من الصعب الخروج منها دون خسائر نفسية أو نهاية علاقات إنسانية، فلتلك الصفتان توابع ونتائج عظيمة تُرسم وتُلاحظ ملامحها من الوهلة الأولى بل قد تصل المسألة أحياناً لمستوى أن لا يرى صاحبها أحدا في الدنيا غيره فيتمنى بل يناضل للحصول عليها وامتلاكها ليس حباً بها ولكن لأنه يكره أن تكون تلك الحاجة أو السعادة في يد غيره ولا تصل اليه. ولو توسعنا في الموضوع قليلا للاحظنا أن أكثر الأشخاص أنانية في رأيي هم من يمتلكون السعادة بأيديهم ويبحثونها في أيدي غيرهم بمعنى أدق يسلبونها منهم دون وجه حق، فقط لأنهم يحبون أن يتملكوها وحدهم وتكون رمزاً وصفةً لهم دون غيرهم، وهناك فرقة أخرى من هؤلاء الأشخاص الذين أيضاً يمتلكون مقومات السعادة ويرون غيرهم بحاجة لها ويمنعونها عنهم، وهنا تكمن المفارقة بين الطرفين أن الطرف الأول يمتلكها ويسلبها من غيره بدافع حب التملك والطرف الثاني يقتصرها على نفسه بدافع الأنانية. وقد نبذ الإسلام الصفتين وأنكرهما لسوئهما، إلا أن هناك نماذج وللأسف معروفة في عالمنا الإسلامي والعربي ذات سلطة قوية تتصف بهاتين الصفتين اللتين تسببتا بشكل مباشر في شقاء وعناء الكثير من الشعوب والبلدان في العالم، بالمقابل هناك شخصيات تاريخية وأسطورية عرفها التاريخ منذ القدم تكاد تكون نادرة في حياتنا تتميز بأرقى سمات الأخلاق والإنسانية حتى لو كانت لا تدين بديننا الإسلام إنما يكفيها إنسانيا أنها خلقت لها أسطورة وحكايات تضرب لها على مر الأزمان؛ فالقارئ لشخصية القائد غاندي والمتابع لمواقفه المختلفة وإن كان البعض يتحفظ عليها، يستشف أنها شخصية لا تحمل عنواناً للأنانية، بالرغم من القاعدة الكبيرة التي كانت تسانده في تلك الحقبة من الزمان ومن مواقفه وقصصه العفوية: «يحكى أن غاندي كان يجري للحاق بقطار وقد بدأ القطار بالسير وعند صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار، فتعجب أصدقاؤه وسألوه، لماذا ألقيت بفردة الحذاء الأخرى؟ فقال غاندي بكل حكمة، «أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده»، نتأمل هذا الموقف الذي يرسم صورة إنسانية بعيدة المدى، لا أنانية تحُدّها، ولا حباً للتملك يَصُدّها، ولا حتى المحَنُ تُوقفها. Maary191@hotmail.com