الدين، أمر عظيم، وفعل قديم، لتنظيف البيت العقلي، من غبار وسعار، وتشذيب شجرته من الأوراق الصفراء، وتأثيثه بمستلزمات البريق الأنيق، ولكن المخيف جداً، أن يمتطي الكنَّاسون ظهور دواب تثير بحوافرها الفزع وتزرع الرعب في أعماق المحيطات وعلى رؤوس الجبال، وهذا ما ينبغي أن ينتبه له كل ذي عقل وبصيرة، فإذا جرَّد الدين من مفهومه النفسي فإنه يستحيل إلى أداة هدم، تخدم نوازع فئة على حساب المجموع، وتسير السفينة الاجتماعية بزعانف أسماك القرش الفتّاكة، فلا يستطيع الدين كونه رسالة سماوية، جيء بها من أجل تحرير الإنسان من عبودية النفس الأمّارة، وتخليصه من أسر الذات المحتقنة والمتورمة والعارمة في كراهيتها لكل ما هو جميل في الحياة. فعندما تنكر المتدينون لـ”المجادلة بالحسنى”، حوَّلوا الدين إلى مخالب واستباحوا العقيدة السامية، ليسجلوا حالة وفاة للعقل، ولينتحب من ينتحب، ويتعب من يتعب، ويصير السخط وسيلة من لا حيلة له غير الامتعاض والخروج عن نص العرفان بالجميل، الذي جاء به الدين السمح، وتعاليمه ذات الشأن الإنساني، فأصل الدين صلاح النفس، وغسلها وتطهيرها من أدران أزمنة العصيان البشري لكل ما هو خلاق وجزيل في العطاء، هؤلاء المنتمون إلى السوداوية العارمة، والانكفاء على الذات كراهية للآخر خرجوا من مساحة ضيقة من منطقة داكنة، ما جعلهم ينفضون أيديهم من قدرة العلم وعلم النفس أولاً على التلازم البنَّاء مع الدين، كون المحورين الدين وعلم النفس يشكلان قاسماً مشتركاً في صناعة اللوحة التشكيلية لعقل الإنسان، وتلوينها بألوان الحياة وعرضها على الملأ دون تزييف أو تخريف أو تجريف، بل تظل في قصر الثقافة المنيف، لتجيب عن السؤال الكبير، بأن الدين في الأساس علاج نفسي للنفس الأمّارة، وهو الرغبة الجادة لإخراج العقل من الحالة الحيوانية البكماء، الخرساء، إلى حالة العقل الناطقة باسم الحياة البنّاءة، المتعافية من أدران الشيفونية، وازدواجية الشخصية. هذا ما يؤكد أن المجتمعات الإنسانية لن تتمكن من الخلاص النهائي، إلا بالربط الحقيقي بين الدين كعقيدة سماوية من أجل صلاح الإنسان، وبين علم النفس الذي بدوره يقوم بتأسيس جمهورية عقلية قائمة على المعرفة بأصول الدين، وأهدافه ومراميه، ما يُعطي النتيجة القصوى لمجتمعات تشب على العلم، بمفهوم الدين والدراية بقيمة علم النفس، وما يقدمه من مفاهيم تخدم الدين، وتسير معه في الاتجاه التقويمي نفسه، وتصحيح المسار.. إذاً نحن نحتاج إلى العلم، بالعِلمين، علم الدين وعلم النفس، حتى نستطيع فهم الآخر بمجرد التصالح مع النفس، وإخراجها من عتمة الذاتية المغلقة، والمتعلقة بحبال الأوهام، وبعض الأدغام، وشيء من أحلام اليقظة.


marafea@emi.ae