يبقى المسكن في كل الأزمنة ولكل الناس احتياجاً أساسياً لا يقل أهمية عن الهواء والماء والملبس وغيرها من الحاجات الأولية، لا يستطيع الإنسان أن يعيش في العراء، ولا يستطيع أن يبقى طويلاً بلا مأوى حتى وإن أرغمته الظروف على أن يحمل صفة متشرد أو لاجئ أو أي صفة تدل على فقدان السكن، وعليه فإن الحكومات الراشدة تحرص في برامجها وخدماتها التي تقدمها لمواطنيها على أن يحتل المسكن أولوية في برامج هذه الحكومات وأن تخصص له موازنات ضخمة، وان يحقق احتياجات المواطن بحسب مستويات المعيشة المتفاوتة من مجتمع ومن بلد الى آخر.
لقد أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مؤخراً قراراً بأحقية المرأة المواطنة المتزوجة من أجنبي في الحصول على منحة أو قرض السكن الحكومي، وهو قرار يحسب للحكومة أولاً بإنصاف هذه الفئة من النساء المواطنات اللواتي عادة ما لا تسمح ظروفهن أو ظروف أزواجهن بالحصول على مسكن خاص ولائق بأسرهن، وهو قرار يضاف الى جملة مكتسبات حظيت بها المرأة الإماراتية بالتوازي مع حقوق الرجل، وهنا فإن فئات أخرى ستتطلع لتحصل على الحق نفسه طالما أن الحق والمواطنة هما القاسم المشترك والمعيار الفاصل في تحديد الحقوق كما يتضح ذلك من القرار الأخير.
المعروف لدينا في الإمارات أن أعداد النساء غير المتزوجات كبيرة جداً، حيث نعاني من ظاهرة تأخر سن الزواج أو فوات أوان الارتباط بالنسبة لعدد كبير من الفتيات، هؤلاء اللواتي تجاوزت أعمارهن الخامسة والأربعين وربما أكثر احياناً : كيف يمكن النظر الى حقهن في المسكن الخاص؟ هل يمكن أن يبقين الى الأبد في منزل العائلة ؟ إنه من الطبيعي أن يتوفى الأب أو الأم بعد مدة تكون هي قد بلغت فيها سن الخمسين ولم تتزوج فماذا تفعل ؟ هل تنتقل للحياة مع زوج اختها أم تعيش في منزل أحد أخوتها مع زوجة أخ قد لا تتقبل وجودها إلى الأبد ؟ الأمر يحتاج إلى نقاش وتأمل لأننا بإزاء ظاهرة اجتماعية أفرزتها ظروف حداثة المجتمع وإقبال أغلب الفتيات على التعليم والعمل ما نتج عنه ظواهر وحالات اجتماعية تحتاج لحلول سريعة.
نحتاج الى قانون ينظم حصول هذه الفئة من الفتيات على مساكن خاصة بهن ضمن تجمعات سكنية - آمنة بالتأكيد- حفاظاً على تماسك المجتمع ومنظومته القيمية وأشكال ترابطاته وعلاقاته دون أن نخل أو نتناسى هذا الحق لهذه الفئة، وهنا فإننا نعلم بأن هناك من سيتصدى ليقف ضد هذا الرأي لاعتبارات لها علاقة بالعادات والأعراف والتقاليد وسيطرح هؤلاء أسئلة من نوع: كيف تمنح فتاة لوحدها مسكناً خاصاً ؟ وكيف تعيش وحيدة ؟ وهل يمكن أن يتركها أهلها تعيش منفردة ؟ وآثار ذلك وانعكاساته و... الخ
نعتقد بأن المجتمع قد تغير كثيراً، وتغيرت معه الكثير من العلاقات والترابطات والالتزامات، وهذه الظاهرة واحدة من إفرازات التغيير وهي بحاجة لمعالجة، فكثير من الفتيات اللواتي تجاوزن الخمسين وبقين بلا زواج لا يعرفن بعد وفاة والديهن الى اين يذهبن: منازل الأخوة والأخوات لا تبدو حلاً مقبولاً، والسكن في شقق ضمن عمارات تعج بالعزاب أيضا لا يبدو حلاً يمكن أن يوافق عليه المجتمع واذن فما هو الحل؟ أظن أن حكومة راشدة كحكومتنا تقدر الاحتياجات وتتلمسها بقلب الحريص وعين المهتم ستتوصل الى حل مرض في هذا الاتجاه.


ayya-222@hotmail.com