الأحد الماضي اجتمع محافظو بنوك مركزية ومشرفون ماليون كبار في أكثر من 27 دولة من مختلف دول العالم في مدينة بازل السويسرية، لوضع إصلاحات جديدة تمتد حتى عام 2019، تلزم البنوك زيادة الكمية التي ينبغي أن تحتفظ بها من رأسمالها الممتاز الأساسي - بلغة المصارف - لأكثر من ثلاثة أمثالها. وصاغوا في اجتماعاتهم تلك توصيات ستعرض على قادة دول العشرين لدى اجتماعهم المقبل في العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول نوفمبر المقبل، بغية وضع نظام مصرفي قوي يحول دون تكرار الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم قبل عامين.
مررت بمدينة بازل الواقعة شمالي سويسرا مرات عدة، حيث ينتابك شعور بأنها لا ترحب إلا بأصحاب الأرصدة المكتنزة في مصارفها الشهيرة، بخلاف دفء وحميمية جنيف أو لوزان، فمن هذه المدينة ذات الأبنية التاريخية الضخمة تخرج اليوم أسس جديدة لحماية النظام المصرفي العالمي الذي كشف عن هشاشته قبل عامين وعصف بصروح رأسمالية ضخمة، وفي الولايات المتحدة وحدها كانت هناك عشرات المصارف التي أصبحت أثراً بعد عين، وتصدعت مجتمعات وتشتت أسر كانت إلى وقت قريب ضمن السلم الاجتماعي الأرقى في تلك المجتمعات، وكنا جزءاً من هذا العالم الذي اهتزّ بفعل تلك الأزمة، وخفف من تداعياتها علينا الحكمة التي تعاملت بها الدولة مع الأزمة من خلال ضخ السيولة في المصارف وضمان الودائع وغيرها من الإجراءات التي يعرفها أهل الاختصاص والعاملون في القطاع المالي والمصرفي. إلا أن الأمر الملحوظ واللافت هنا، الطريقة التي أصبحت تتعامل بها مصارفنا بعد انقشاع الغمة، وسبقت قواعد “بازل 3”، والتي تكشف عن غياب تحرك موحد أو مشترك لديها في تحريك عجلة الاقتصاد وتحفيز الأداء الاقتصادي إجمالاً، ففي الوقت الذي نسمع فيه عن توجهات بعض منها لتقديم تسهيلات ودعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، نجد مصارف أخرى تقبض يدها، وتعيد النظر في تسهيلات كانت قد منحتها للمستثمرين ورجال الأعمال برفع أسعار الفائدة وشروط التمويل التي اتفقت عليها معهم. ويمكن أن نلحظ أنين السوق في هذا المجال من خلال رصد ما يجري في القطاع العقاري، حيث اندفع البعض في غمرة “الفورة” للاستثمار في بناء الأبراج والدور، والشراء بأسعار وتسهيلات فائدة مرتفعة. واليوم مع استقرار السوق العقارية وتراجع الإيجارات وقيام بعض البنوك بإعادة رفع فوائد تسهيلاتها، سيجد الكثير من هؤلاء أنفسهم في رحلة أطول مما توقعوا لسداد قيمة تلك التسهيلات التي - كما تقول الأمثال الشعبية - “طلعت عليهم أكثر من بيع السوق”. وبالطبع الثمن سيكون باهظاً في كل الأحوال.
لقد كانت مصارف الدولة دوماً مؤشراً لنبض الأداء الاقتصادي، وهي التي قطعت شوطاً كبيراً في احتساب المخصصات مقابل الديون المشكوك في تحصيلها منذ ظهور بوادر الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث زاد إجمالي تلك المخصصات التي بلغت بنهاية يوليو الماضي 37.3 مليار درهم. وبالتالي وبحسب آراء أهل الاختصاص من خبراء المال والاقتصاد فإن متطلبات”بازل 3” لن تمثل أي أعباء إضافية عليها، وهو الأمر الذي لا يبرر الطريقة الحالية التي أصبحت تدير بها هذه المصارف الأمور، وسياسات تشجيع الأعمال والاستثمار، وما ترتب عليها من سكون، وبالذات في مجال الاستثمار العقاري.


ali.alamodi@admedia.ae