رواية الروائية الجزائرية الأصل الفرنسية الجنسية فايزة غيني “كِيفْ كِيفْ غدا” وهو ما تفسيره “الشيء نفسه غداً، الشيء نفسه” ملأت الدنيا وصارت مؤلفتها أشهر من نار على علم. لا عجائب، في هذه الرواية، ولاغرائبية ولا واقعية سحرية، وإنما الواقع المعيش عار. جزائريون ومغاربة وتونسيون يقيمون في ضاحية من ضواحي باريس كلهم يعيشون ممزّقين بين واقعهم المرير ومحاولة الإفلات من قدر فظّ لم يختاروه. نساء ورجال، شابات وشبان في مقتبل العمر يواجهون أقدارهم كالأبطال الأسطوريين. فالبطل الأسطوري يأتي عادة خطأ مّا دون قصد أو نيّة، ثم تنجرّ عن ذلك الصنيع حشود من الأحداث تمضي به قُدُما إلى نهايته الفاجعة. ذاك هو ما يسمّى الخطأ الدرامي. الخطأ الدرامي الذي اقترفته كل الشخصيات في رواية فائزة غيني هو الرحيل إلى فرنسا حلماً بغدٍ أقل ويلاً. الرواية تتفرّع لتكتب محن المغتربين من الجيل الأول والثاني والثالث. الراوي في هذا النص فتاة عمرها 15 سنة تدعى درّية تعيش مع أمها بعد أن هجرهما والدها وعاد إلى المغرب ليتزوّج مغربية فلاحة ويهرب من ويلات الغربة. كلما تابعنا القراءة تبيّن لنا أن درّية تعيش بلا أمل وتكتفي بنقل الأحداث التي تجري من حولها: الخالة زهرة التي سجن ابنها يوسف بسبب الاتجار بالمخدرات وسرقة السيارات، وهلعها من صولات زوجها المسنّ العصبي. حمودي الشاب الذي يمنّي النفس بغدٍ أقل فظاظة فيجرّب المهن كلّها دون أن يفلح ثم يسجن. وشريف التونسي القادم من جزيرة جربة الحالم بربح سيارة تنتشله من المستنقع وغيرهم. الحكايات تتوالى وتتشابك ولا أمجاد، لا بطولات. الكلّ يعاتب قدره والكلّ يقاوم عثرته. وثمة درّية التي تراقب ما يحدث وتسجّله سواء كان حقيقة أو توهّما. لذلك تتشابك حكايات كل الشخصيات وتنصهر في شكل نسيج يقوم على الإرجاء والتلفّت. تروي دريّة مثلًا حكاية سمرة وتظل تعود إليها بعد أن تروي شذرات من حكايات أخرى. نقرأ مثلا: “في عمارتي فتاة سجينة في الطابق الحادي عشر. اسمها سمرة وعمرها تسعة عشر عاماً. يتبعها أخوها في كل مكان، وعندما تعود من المدرسة متأخرة قليلًا يسحبها من شعرها، ويكمل الأب المهمة... قال الجيران لأمي إن سمرة هربت”. وكثيراً ما تمزج الراوية بين الواقع والخيال فتحدّث عن أبيها الذي تخلّى عنها وعن أمها ثم تحلم بعمدة باريس زوجاً لأمها الأمية الفقيرة البائسة. نقرأ: “ما دامت أمي عزباء، أفكر في إطلاق نداء لبرتران دلانوي (عمدة باريس)، حملة إعلانية كبيرة مع صورة أمي (تلك الموجودة في جواز سفرها بالأبيض والأسود) وتحتها عبارة: “أحبك كثيراً ياسيدي العمدة Call me”. سيجنّ برتران إن رأى الإعلان... أمي تطبخ وتنظف وتحيك الصوف. أراهن ألا أحد أبداً حاك سروالاً داخلياً من الصوف لـ”سيدي العمدة”.. سيكون مسروراً جداً في الشتاء”.