ارتباطنا بالصحراء والبر قصة عشق متصل، مهما كان تأثير الحياة العصرية على أبناء المنطقة الذين وظفوا تقنيات العصر للتعريف ببيئتهم وتفاصيلها الجميلة.
وقبل أيام، وقبل أن يهبط علينا الصيف والقيظ، وأيامه الحارة كنت وسط التلال والعراقيب غرب منطقة الخزنة، كان المنظر جميلاً آخاذاً، وتلك الرمال الذهبية تبحر بك باتجاه الأيام الخوالي، وذكريات الآباء والأجداد عن رحلات النهارات والليالي الطويلة بين هذه الدروب والمسالك، وقصص انتعال الأخفاف لحماية الأقدام المتشققة من لدغات الأفاعي والعقارب. كانوا يقضون أياما عديدة في رحلاتهم، وهم يقطعون هذه الفيافي باتجاه المحاضر والبدع ومدن المرافئ التي لم تعد تحتاج منك إلا سويعات للوصول إليها. يرتد إليك البصر يملؤك اعتزازاً بهؤلاء الرجال الذي خرجوا من أعماق هذا المكان الضاربين في جذوره ليؤسسوا ببصيرتهم الثاقبة دولة عصرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. ورغم جدب البدايات إلا أنهم كانوا في غاية الثراء بإمكانياتهم وقدراتهم وتصميمهم على جعل مستقبل الأبناء والأحفاد أكثر رخاء وازدهارا. وبتلك الإرادة والتصميم والتحدي، والرؤية والبصيرة الثاقبة شقوا الطريق ومضوا في طريقهم بلا كلل، ومن دون أن تلين لهم قناة في مسيرة عنوانها الإخلاص والوفاء والعمل الجاد، ونجحوا في بناء وطن تربع شعبه اليوم قائمة أسعد شعوب العالم العربي. صورة لا تقارن بين ما كان من أمر الأمس وواقع اليوم الذي نعيش بكل زهو وفخر.
ولكن ما أضاف لمتعة ارتياد البر متعة، أن تلمس ثمرة من حصاد بصمة من بصمات الخير لقائد مسيرة الخير. وبين تلك الكثبان يبرز موقع لمشروع أقيم بدعم من صندوق خليفة لتطوير المشاريع، يجتذب عشرات السياح والزوار التواقين للتعرف على بعض صور الحياة في البر، والاقتراب من ملامح تراث الإمارات المترع أصالة وغنى. ولعل أكثر ما يلفت نظر المرء في المكان حرص الشاب المواطن صاحب المشروع على التواجد بنفسه لا لمجرد إدارته، وإنما لتقديم المعلومة الصحيحة والمتكاملة عن بيئته، وفي الوقت ذاته حرصه والعاملون معه من الشباب على نظافة البيئة بحيث لا تتأثر بهذه الأعداد من الزوار وما يخلفون، وبالأخص من الأكياس البلاستيكية وخلافها.
كان الزوار وضيوف المكان في غاية المتعة وهم في رحلات”سفاري الصحراء” وسيارات الدفع الرباعي تتسلق قمم العراقيب برفقة شباب يعرفون مسالك ودروب الصحراء كما يعرفون أكفهم. ولا يدرك أهمية ما نقول إلا من تابع مقدار التشويه الذي تعرض له تراث الإمارات على يد المرشدين السياحيين إياهم، مثل ذلك المرشد الذي لم يجد ما يرد به عن استفسار سائح أجنبي حول الفرق بين ارتداء بعض الرجال للغتر البيضاء وآخرين للشماغ، فقال إن الأول للمتزوجين والثاني للعزاب!.
لقد مثل صندوق خليفة لتطوير المشاريع تجربة ناجحة ومتميزة في توفير الدعم للشباب للانخراط الفعلي والعملي في النشاط الاقتصادي بما يدعم مسيرة النمو والتنمية في البلاد.
فتحية لكل من جعل من فكرته واجهة للتعريف بالإمارات قبل أن يتخذ منها مجرد مشروع تجاري أو استثماري.


ali.alamodi@admedia.ae