ترى هل تشفّ الحقائق أمام من له في الحياة أيام معدودات، فيراها على حقيقتها، لا كما يراها الآخرون، وتنقشع حجبها، ويتوضح جوهرها بلا زيف، هل يقرأ ما بين سطورها؟ يقال عمن يملك قدرات غير محدودة على استشعار ما هو آت، أو من يكون على درجة فائقة من نفاذ البصيرة، إنه ليس «ابن عيشة» أو ليس ابن حياة، لا يعيش طويلاً، ويموت في سن مبكرة. هل يمكن لقلب مريض مغمَّس بالألم، أن يحيي ملايين القلوب الملأى بالأمنيات؟ هل يمكن لمحكوم عليه بالموت أن يعلم معنى الحياة، هل يمكن لمن لا يقدر على الحراك أن يعطي درساً في قهر المستحيل والزحف على الأشواك، هل يمكن للشاعر ألا يموت، ويعيش ببضع كلمات، أو صرخات، وأن يكون أفضل كثيراً من أحياء يدبّون على الأرض، ولكنهم حقيقة هم «أمْوَتُ» من الأموات.. هل يمكن من يرقد تحت الثرى أن يبعث من جديد قلوباً هي بالكاد نابضة بالحياة، هل يمكنه أن يلهب من جديد ما أحيل منذ زمن بعيد رماداً. قلب عليل أجهده المرض وأعياه، لم تمنحه الحياة إلا الألم، تلو الألم وشكواه، والصدمة قاصمة الظهر، تلو الأخرى ضحية القهر، معمّدة بالدم تارة، وتارة أخرى بالآه، لا يمكنه أن يحقق حلم أب طال انتظاره ليرى أن ولده البكر يكمل نصف دينه بالزواج، لأن قلبه الرقيق لا يتحمل أي إجهاد، ليتكسر حلم الأب مع أمل الابن على صخرة ولا أقسى، ويهوي الأمل قبل أن يولد، أي قسوة تحملها تلك الحياة! سَـــئِمْتُ الحيــاةَ، وما في الحيــاة وما أن تجـاوزتُ فجــرَ الشَّــبابْ سَــــــئِمتُ اللَّيالــي، وأوجَاعَهـــا وما شَعْشَــعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ فَحَطّمــــتُ كَأســــي، وألقَيتُهـــا بِوَادي الأسـى وَجَحِيــمِ العَـذَابْ فأنَّـت، وقــد غمرتهــا الدمــــوعُ وَقَرّتْ، وَقَدْ فَـاضَ مِنْهَـا الحَبَـابْ أي إغراء في هذه الحياة، لكي يتمسك بها من كانت حياته مزيجاً من المآسي والآلام! ترى هل هو الأمل، أم هو الخوف من الموت، أم هو خوف من الوحدة! لَسْتُ أبكي لِعَسْـفِ لَيْـلٍ طَويــلٍ، أوْ لِربعــٍ غـــدا العَفَــــاءُ مَرَاحـــهْ إنَّمـــا عَبْرَتِـــي لِخَطْـــبٍ ثَقِيـــلٍ، قد عَرانا، ولم نجـــد مــن أزاحــهُ كلّمــا قــامَ فـي البــلادِ خطيـبٌ، مُوقِظٌ شَـــــعْبَهُ يُرِيــدُ صَلاَحَـــهْ شــــِرْعَتي حُبُّــكِ العَمِيـــقُ وإنِّـي قَـــدْ تَذَوَّقْــــتُ مُـــرَّهُ وَقَرَاحَـــهْ إنَّ ذا عَصـــْرُ ظُلْمَــة ٍ غــير أنّـــي مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِــمْتُ صَبَاحَــهْ ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْـدَ شَــعْبِي وَلكــِنْ ســـَتَرُدُّ الحَيَـــاة ُ يَومــاً وِشَــاحَهْ نم قرير العين يا أيها الشاعر، أيها الثائر، فها هي روحك تحوم نشوى، وقصيدتك غدت نشيداً للحياة، وها نحن نستعيد دورة الحياة، بنبضات قلبك وكلماتك، ونمشي على ضوء مصباح نشيد الحياة. نم قرير العين أبا القاسم الشابي. إذا الشــّعْبُ يَوْمــَاً أرَادَ الْـحَيَـــاةَ فَلا بُـــدَّ أنْ يَسْـــتَجِيبَ القَـــدَر إذَا مَا طَمَحْــــتُ إلِــــى غَايَــــــةٍ رَكِبْتُ الْمُنَـــى وَنَسِـــيتُ الحَــذَر وَلَمْ أَتَجَنَّـــبْ وُعُــــورَ الشِّــــعَابِ وَلا كُبَّـــــــةَ اللَّهَـــبِ المُسْـــتَعِر وَمَنْ يتهيــــب صُعُـــودَ الجِبَـــالِ يَعِشْ أَبَـدَ الدَّهْــــرِ بَيْنَ الحُفَــــر فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَــــاءُ الشَّـــبَابِ وَضَجَّتْ بِصَـــــدْرِي رِيَـــاحٌ أُخَــر وأَلْعَــنُ مَــنْ لا يُمَاشِـــي الزَّمَـــانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْــشِ عَيْـــشِ الحَجَــر فَوَيْلٌ لِمَـــنْ لَمْ تَشـــُقْـهُ الحَيَـــاةُ مِـــنْ لَعْنَـــةِ العَـــدَمِ المُنْتَصِــــر Esmaiel.Hasan@admedia.ae