أحدهم يسافر ليكمل دراسته لكنه سيرجع بإذن الله، وآخر قرر الانفصال عن زوجته لكنه موجود، فيما رأى آخرون أنه لا فائدة من صلة الرحم فالنفوس ضاقت بما فيها لكنهم مازالوا يتقابلون صدفة، وأصدقاء أدركوا أنهم ليسوا كذلك فقرروا الانفصال علهم يجدون الصدق المفقود لكنهم يقفون في نفس الشارع. كثيرون قطعوا العلاقات سواء بالاتفاق أو بقرارات فردية، وهناك من هرب بصمت فالحياة مليئة بهذه اللحظات كما أنها مفعمة بلحظات اللقاء. كيف يستطيع الإنسان السوي أن يقدم على مثل هذه القرارات؟ نعم، هناك ظروف تدعو إلى الفصل. لكن لماذا ينقطع الوصل؟ البعض يرى أن العلاقات الإنسانية باتت مرتبطة بالمصالح وبمدى فعاليتها، وهناك من يراها واجهة اجتماعية بمجرد أن تفقد قيمتها تفقد صلاحيتها. وهناك من يرى أنها أفضل طريقة لحل النزاعات والانتهاء من «وجع الرأس». بعض الفراق يكون ضرورة حتى يحافظ الشخص على السلام الداخلي لديه، خصوصاً عندما تسقط القيم والمبادئ الأساسية في بناء العلاقات، لكن هناك دائماً يقين يسكننا بأن كل من ذهب سيعود وأن الطرق مهما افترقت لابد أن تلتقي، وأن كل هارب سيستسلم، لا أحد يعرف ما يخبئه القدر. الأمر ليس مقتصراً على الفراق فقط بل الجفاء الذي بات يصيب العلاقات الإنسانية، تصحرت علاقتنا وأصبحت جرداء من كل ما هو حقيقي، خاوية باهتة من الحميمية والصدق، حتى الكلام غدا فارغاً من المعاني، لماذا نقف على الطريق وننتظر الغد هناك أحداً ينتظر منا الوصال؟، إذا كانت أمواج البحر تحيا على الشواطئ بين مد وجزر لماذا يطول بنا البقاء على الجزر. وهواجس كثير خطرت على بالي بمجرد أن سألتني إحدى الأخوات كتابة مقدمة لقصيدة كتبتها رثاء لوفاة أحد أقاربها، هي تجربة لم أقدم عليها من قبل، استوقفتني كثيراً، هل تحتاج مثل هذه المواضيع مقدمة؟ فهي تأتي بلا مقدمات، أن تفقد عزيزاً أو حتى شخصاً كان عزيزاً أمر لا يحتاج تمهيداً، قد نعرف بمرض أحدهم ولكن يبقى للموت ألم، هو ألم الفراق الذي لا رجعة فيه، وهو إدراك للحقيقة الوحيدة في العالم. خط الرجعة في هذا الفراق مستحيل، وطريق الوصل محدود بالذكريات التي نحملها عنهم، وإن كان هناك تقصير تجاه من فقدناه تصبح فيه حتى الذكريات مستحيلة، لابد أن تكون خطواتنا واضحة لا ضغينة فيها حتى وإن كانت خطوة نحو الانفصال أو الفراق، لنحافظ على جمالية الذكريات التي تنشأ عن علاقاتنا بالآخر. ameena.awadh@admedia.ae