للناس، كل الناس، حكاية غريبة مع عشق كرة القدم، لا تفسرها النظرية الدينية التي يقول بها البعض من أن الصهيونية العالمية قد أوصت بضرورة الاهتمام بهذه اللعبة ونشرها لإلهاء الشعوب، وخاصة الشباب لأسباب تتعلق بالسيطرة والهيمنة و...الخ، لا نشك في حكاية المؤامرة على اعتبار أن التآمر وتدبير الحيل والمكائد من لوازم الصراع الطبيعية بين الأطراف المتنافسة أو ذات التاريخ العدائي، لكننا لا يمكن أن نفسر التاريخ كله وفق هذه النظرية بأية حال من الأحوال وإلا فإننا سنلغي إرادة الإنسان وفعله ودوره وتأثير العوامل الثقافية والاجتماعية وغيرها في كل ما يحدث.
نعود للناس وعلاقتهم بالمستديرة الساحرة التي تسيطر على غالبية الاهتمام والمتابعة والتأييد، سواء كان من طرف الرجال أو النساء، الشباب أو الصغار المراهقين والكهول وحتى العجائز، وقد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يقتل صديقه حبا في ناديه وانتقاما من الخسارة التي تعرض لها، وهذا للأسف ما تناقلته الأخبار حول الجزائري الذي قتل صديقه الذي يشجع نادي ريال مدريد إثر إعلان فوزه على نادي برشلونة الذي يشجعه القاتل إذا صح هذا الخبر !!
ولن يستغرب أحد من الحادثة بل قد يزيدون فيذكرون حكايات أزواج طلقوا زوجاتهم، وأصدقاء قاطعوا أصدقاءهم ومشجعين دمروا ملاعب ومرافق بسبب انتمائهم لنواد يشجعونها بعد تعرضها للخسارة، وهي أخبار نسمعها ونتابعها منذ زمن بعيد، خاصة حين يصل تشجيع النادي إلى حالة من الانتماء المرضي الذي يصل حد التماهي مع النادي فيراه أهم وأغلى وأعلى وأحب من كل شيء ومن كل شخص، وهنا فالمسألة ليست وصية أو مؤامرة صهيونية كما اعتقد، المسألة هنا تحتاج إلى تحليل سيكلوجي واجتماعي وثقافي لهؤلاء الذين يصل بهم الحب والتشجيع لهذا المستوى من العشق.
وفي أيامنا هذه لا يمكنك أن تجد شابين إلا وينقسم ولاؤهما بين ناديي الريال وبرشلونة الشهيرين، وما من متابع يعيش هذه الأيام في قلب الأحداث إلا وله انتماء محدد لأحد هذين الناديين، فإن لم تكن مدريدياً ولا برشلونياً فأنت خارج نطاق البث أو خارج دائرة الأحداث ذلك أن المباريات بين الناديين تأخذ طابع المعارك والاحتشاد العالمي. إنها عولمة الكرة في أوضح تجلياتها، إنها التمرير السلس لتفاصيل الثقافة والذهنية الغربية بشكل عام، فإذا أردت دليلاً على هيمنة اللعبة وعولمتها فانظر إلى أكثر المواد مشاهدة وتبادلاً وتعليقاً خلال الثلاثة أيام الماضية، ستجد أن سقوط كأس الملك من يد المدافع الدولي للريال سيرخيو راموس أثناء تطواف الفريق بالكأس احتفالاً بتغلبه على نادي برشلونة هي أكثر المواد مشاهدة وقراءة، كما أن اللقطات المصورة لحادث سقوط كأس إسبانيا قد تم عرضها على موقع “يوتيوب” الشهير وتم تبادلها عبر أجهزة البلاكبيري كواحدة من أكثر المواد انتشارا بين الشباب.
الشباب لا يتابع مشاهد الحروب ولا ينتمي لأنظمة تقتل طيلة النهار وتطلق العنان لحناجرها صراخا ولألسنتها كذبا، مل الشباب من إعلامهم ومن أنظمتهم ومن مدارسهم وحتى من زوجاتهم على ما يبدو، فاختاروا ملاذا محايدا لا شبهة ولا تهمة فيه ومنحوه كل حبهم واهتمامهم. وحاول أن تسأل أي شاب عن أي من الناديين ستجد لديه سجلا حافلا من المعلومات لكنه قد لا يعرف شيئا عن تاريخ إسبانيا السياسي ولا يهمه أن يعرف.



ayya-222@hotmail.com