بؤر الألم في ذاكرة الإنسان من النقاط التي يبدو الخلاص منها من المستحيلات، وإن كان هذا لا يمنع أن يفلح البشر في العمل على التخفيف منها؛ كما أن الزمن في حالات كثيرة يقوم بعكس دوره المعتاد في التخفيف من أثر المصيبة، إذ يقوم بتأجيجها، خاصة إن كانت لهذا الألم تداعيات زادت من مُصابه، سواء قام بهذه التداعيات صاحب الألم نفسه، أو المتسبب بالألم.المثير في قضية بؤر الألم، أنها تنتقل في الجسد البشري مع الأجيال، أي أنها لا تنتهي بحياة الشخص الذي أصابه الألم، بل تنتقل عبر جيناته إلى أبنائه، وهكذا.
من أمثلة بؤر الألم التي مرت ذكراها التاسعة يوم أمس، أحداث تفجيرات 11 سبتمبر في نيويورك؛ أتذكر تماماً تلك الساعات التي حدثت فيها التفجيرات، فبحكم عملي في قسم الدراسات والبحوث في صحيفة “الاتحاد”، كنا وزميلي الباحث (طه حسيب) نتابع قناة الجزيرة، كما كنا في انتظار زميلنا الباحث (محمد ولد المنى) الذي سيحل ضيفاً على القناة للتعليق على زيارة مرتقبة لملك المغرب إلى موريتانيا، غير أن (ولد المنى) لم يعلق على الزيارة، كما أن الزيارة ألغيت أيضا، فقد انتقلت قناة الجزيرة بكل مشاهدها اللاحقة إلى مدينة نيويورك حيث برجي التجارة العالمي.
مهما امتلكنا من مفردات وصور تمثيلية، ومهما طاعت لنا اللغة لن تتمكن من وصف قدر البشاعة التي حدثت في ذلك اليوم، ولساعات وأيام وشهور طويلة لم أتمكن من الاقتناع أن هناك بشرا قادرين على الإتيان بفعل كهذا؛ حتى أني كنت أؤكد لزميلي (طه)، أن ما حدث إنما هو شيء خارج عن القدرة الإنسانية، وأن يوم القيامة قد حل، فاختلت موازين الأشياء ومنها الطائرات التي أخذت “تتحادف” على المبنى!
كل شيء.. كل شيء كان قبيحاً، الفكرة والفعل والنتيجة، حتى إن هذا الوصف لا يفي الأمر حقه رغم مرور تسع سنوات على الحدث، والحقيقة أن تاريخ 11 سبتمبر سيظل حتى نهاية الخلق وصمة عار على جبين الإنسانية، فبسببه عانى وسيعاني البشر كثيراً في أميركا وأفغانستان والعراق. ولأن الأمر كذلك، يجب مراعاة حالة الحساسية العالية والاستفزاز التلقائي الذي يمكن أن يتسببها أي فعل يوشي بشكل احتفالي في هذا الإطار.
ولأن الكتابة حول هذا الموضوع تبدو كمن يسير في حقل ألغام، علينا أن نضع أنفسنا مكان الآخرين لنتفهم ولو جزءاً من ذلك الألم الذي يعيشونه، ونتجاوز عن استفزاز ذاكرتهم؛ فنحن أيضا لنا ذاكرة يملؤها الألم ولا نريد أن يستفزها أحد.


Als.almenhaly@admedia.ae