كما رأينا بالأمس بـ «عيون القلب» نتابع اليوم الحديث عن العين ودلالاتها ومعانيها الجمّة، نقتطف بعيوننا ومضات الألق من عيون اللغة التي لا تنضب. وأقول هنا للمرجفين الذين يتهمون العربية بالجمود، هل توجد لغة على وجه الأرض أو على مدار التاريخ تتناول معاني العين كما العربية؟ مؤلفات ومصنفات في اللغة والأدب في العيون وحدها لا حصر لها في العربية.. للعين أبواب «لغوية» كثيرة اشتق منها الكثير من المعاني، ولا يخلو حديث مهما كان نوعه، من ذكر العين بشكل أو بآخر، فهل نستطيع الكلام عن الجمال دون المرور على عيون المها؟ أو عن الطبيعة دون عيون الماء، أو عن وضوح الحقيقة دون عين الشمس. إذا كذبنا واحد من الناس وأردنا أن نكشفه وكشف كذبه، قلنا له «حط عيني بعينك» أي انظر بعينك إلى عيني لأرى الحقيقة.. فالكذب أو الصدق يُرى في العيون. من حكمة الله في خلق عين الإنسان أن خلقها بين جيشين من رموش، يحميهما سوران حاجبان، وحماية العين لا إرادية، فوسائل الحماية للعين أسرع مما يتصوره عقل. يقال أعيان القَوم، أي أشرافهم، كأنَّهم عيونُهم التي بها ينظرون، وكذلك الإخوة. تقول لكلِّ إخوةٍ يكونون لأبٍ وأُمٍّ ولهم إخوةٌ من أمّهات شتّى: هؤلاء أعيانُ إخوتهم. سمِّي نبع الماء عيناً تشبيهاً بالعين النّاظرةِ لصفائها ومائها. والعين: السَّحاب ما جاءَ من ناحية القبلة. يقولون: إذا نشأ السَّحاب من قِبَل العين فلا يَكاد يُخلف. يقال هذا مطَر العين، ولا يقال مُطِرنا بالعَين. وعَين الشَّمس مشبه بعين الإنسان. عين الشمس: صَيْخَدُها المستدير. وماءٌ عائن، أي سائل. وعَين السِّقاء، يقال للسِّقاء إذا بَلِي ورقَّ موضعٌ منه: قد تعيَّن. وهذا أيضاً من العَين، لأنه إذا رقّ قرُب من التخرُّق فصار السِّقاء كأنّه يُنظر به. وأنشد ثعلب: بذات لَوثٍ عينُها في جيدها أراد قربةً قد تعيَّنت في جِيدها. ومن باقي كلامهم في العَين، العِينُ: البَقَر، وتوصف البقرة بسَعَة العين فيقال: بقرة عيناء. وعِينَةُ كلِّ شيء: خيارُه، يستوي فيه الذكر والأنثى، كما يقال عَيْنُ الشيء وعِينَتُه، أي أجودُه؛ لأن أصفَى ما في وجه الإنسان عينُه. ويقال: نَظَرَت البلادُ بعينٍ أو بعينَين، إذا طَلَعَ النّبتُ. وكلُّ هذا محمول واستعارة وتشبيه. والعَين، المال العَتِيد الحاضر؛ يقال هو عَينٌ غير دَين، أي هو مال حاضرٌ تراه العيونُ. وعينُ الشَّيء: نفسُه. تقول: خذ دِرْهمَك بعينه، فأمّا قولهم للمَيْل في الميزان عين فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ العَيْن كالزِّيادة في الميزان. والعِينَة: السَّلَف، يقال تعيَّنَ فلان من فلانٍ عِينةً، وعيَّنَهُ تعييناً. وقال الخليل: واشتقّت من عين الميزان، وهي زيادته. ابن عبد ربه: إليـكَ فَـررتُ مـن لحظــاتِ عــينٍ خلعتَ بهـا القلـوبَ مـن الصـدورِ تسيلُ مع الدمـوعِ جفـــونُ عينــي كـــما ســــالَ الفــؤادُ معَ الزَّفيــرِ