البعض منا يدخل بيته عابساً متجهماً، نوعاً من فرض الشخصية على زوجه وأبنائه، فيسود السكون والصمت فقد حضر السيد! وقد كان قبل دخوله بيته مع أصحابه منفرج الأسارير، ضحكته تملأ المقهى والشارع والدنيا! والبعض الآخر لا يقدر حتى على الابتسام، يدخل عليك فتحس أن كارثة قد وقعت، ويدخل بيته كقابض أرواح يثير الهلع في أبنائه وعائلته، ويصبح ذهابه إلى عمله وخروجه من البيت عيداً ووجوده فيه كابوساً! والبعض يجعل عادته إضحاك الناس، فيبدو مهرجاً بلا هيبة! تحتاج النفس البشرية من حين إلى ترويح عن النفس بنكتة لطيفة تسرّي الهمّ وتزيحه، فالضحك يبهج القلب، والإنسان بحاجة إلى الفرح والسرور، كما يحتاج إلى الخبز والطعام والماء، والموظف والعامل مهما كان نوع عملهما، يحتاجان إلى إجازة يروّحان فيها عن نفسيهما، ليخرجا من جو وعناء العمل، ليعودا أكثر نشاطاً وعطاء. ولا يذم القليل من الضحك، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه، وإنه يكره كثيره والكذب فيه لما روي عنه عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏»كثرة الضحك تميت القلب‏»‏‏. و‏»‏ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك الناس»‏‏.‏ ولا ضير في أن يحاول الإنسان إضحاك أهل بيته، من أب وأم وإخوة وزوجة وأبناء، أو أصدقاء، أو عابري طريق، بما لا يفقد الهيبة ولا يسيء للآخرين، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ لأكلمنّ رسول الله لعله يضحك قال‏:‏ قلت‏:‏ لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة فوجأت عنقها‏.‏ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏»يا حنظلة لو كنتم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق يا حنظلة ساعة وساعة‏»‏‏.‏ وقال علي بن أبي طالب‏ كرم الله وجهه:‏ روّحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تملّ كما تملّ الأبدان‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ إن هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً‏.‏ وقيل‏:‏ تروّيح القلوب يعي الذكر‏.‏ وقال أبو الدرداء‏:‏ إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من لحق ما يكلها‏.‏ وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه‏:‏ هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض‏.‏ ‏وكان الزهري يحدث ثم يقول‏:‏ هاتوا من ظرفكم، هاتوا من أشعاركم أفيضوا في بعض ما يخفف عليكم وتأنس به طباعكم فإن الأذن مجّاجة والقلب ذو تقلب‏.‏ وعن مالك بن دينار قال‏:‏ كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال‏:‏ إن الأذن مجّاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار‏.‏ وعرف عن العلماء أنهم يحبون المُلح «الطرف» لأنها تجمّ النفس وتريح القلب من كدّ الفكر‏.‏ ووصف رجل من النساك عند عبيد الله ابن عائشة فقالوا‏:‏ هو جدّ كله، فقال لقد أضاق على نفسه المرعى، وقصر طول النهى، ولو فككها بالانتقال من حال إلى حال لتنفس عنها ضيق العقدة وراجع الجد بنشاط وحدة‏.‏ وعن الأصمعي قال سمعت الرشيد يقول‏:‏ النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان‏.‏ ابن الرومي: لولا فواكه أيــــلول إذا اجتمعـــت من كل نوعٍ، ورَقَّ الجوُّ والمــاءُ إذاً لَمَا حَفَلتْ نفسي متى اشتملت عليَّ هائلــــةُ الجالَيْــن غــبراءُ