الجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمى تتحول بقدرة قادر من الكتاب الأخضر، من النظرية العالمية الثالثة إلى مسبحة شمهروش الذي بحلق وحلق ويحلق وانزلق في دياجير الجن مستنجداً بهم، مستغيثاً مستعيناً بقدراتهم الخارقة لكي يردعوا ويمنعوا ويدفعوا الشر عن جماهيرية العقيد، وبعد تمزيق الفضاء بتمتمات وهمهمات وتفريق الخيال الجم في أجواء احتفالية بوهيمية عجيبة، غريبة، مريبة، يخرج الساحر شمهروش والذي استفاق على مقدرته السحرية فجأة بعد أن كان موظفاً في وزارة الإعلام الليبية إلى العالم بنبوءة فائقة الهزل والجزل قائلاً مطمئناً العقيد إن الجن الآن يخوضون مع الكتائب معارك المصير المشترك ليدحروا جحافل الغدر والعدوان ويروغوا عن العقيد ظلم الطغيان.
ما رأيناه على الشاشة الفضائية أشبه بالكوميديا السوداء، حيث حشد شمهروش جل ما يملك من إيحاءات وإيماءات وتلويح وتبريح من أجل الطمس والغطس في أوحال الوهمية عالية الإدغام والإبهام ولأجل الاستعانة بآخر قطعة سلاح بقيت في حوزة النظرية الثالثة ولتأكيد المفهوم الجلالي الذي كان العقيد يوصم نفسه به، فمن عميد الحكام العرب إلى ملك ملوك أفريقيا، وقبل كل ذلك كان الرجل، ثورياً، أحمر، مناهضاً للاستعمار من الخيمة ومن البادية ومن صحراء ليبيا التي استبدلت رداء عمر المختار الأبيض الناصع، بلفافة الكتاب الأخضر المشمعة بألوان التزييف والتخريف.
شمهروش الخارج من مكامن الخرافة ومن تهويمات العرافة أراد أن يؤكد للعالم أجمع، لأميركا والناتو معاً أن لدى ليبيا سلاحاً أقوى وأشد فتكاً من طائرات الـ اف16 والشبح والميراج، هو سلاح الجن الذي باستطاعته أن يأتي بقصور هؤلاء “الأغراب” قبل أن يقوم العقيد من مكانه وقبل أن يتنهد تلك التنهيدة الحارقة التي أسفرت عن الصدمة الحضارية التي ضربت كل حسابات العقيد والذي حكم البلاد والعباد لمدة أربعين عاماً دون أن ينبس مواطن ليبي بكلمة، واليوم وبعد أن اشتد الغرم وربط العزم وصار لا بد أن تتغير ليبيا، كان وقع الصدمة كبيراً وكان الهول عظيماً ولا قوة تقشع هذه القيمة ولا إرادة تفك الأزمة غير هؤلاء هم.. الجن الذين يعشعشون في أذهان من لا رصيد لهم غير الوهم.. وعلى الأسرة الدولية أضخم وأعظم وأعم وأهم من كل قدراتهم العسكرية المرعبة.. وشمهروش بالمرصاد، لكل جني لا ينفذ الأوامر إنه توعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.. والله المستعان.


marafea@emi.ae