انتهى شهر رمضان، شهر الغفران، والقلب الملآن بالحب والمشاعر الدفيئة، انتهى شهر الصوم الذي استغله الكثيرون في ممارسة مشاعر لا تليق بهذا الشهر. ففي هذا الشهر ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، تراهم بعيون زائغة، وجباه مغضنة، وحواجب مكسرة، لا يطيق الواحد منهم أن يرى أحداً في الشارع.
عندما تذهب إلى السوق تجد الصراع المرير وتسمع الصراخ والزعيق، وتصم أذنيك السباب والشتائم، أصحاب السيارات كل واحد يريد أن يصف سيارته قبل الآخرين، بل إن البعض يجازف ويهاتف بسرعة البرق ليحل مكان آخر، وجد في المكان في وقت أسبق منه بمشاعر فظة غليظة، وكل ذلك بحجة أنه صائم ولا يطيق الإزعاج.
لا أحد يغفر لأحد، ولا أحد يقول اللهم إني صائم، بل كل واحد يقول أنا صائم ولا أريد أن يضايقني أحد. فالصدور ضيقة، والقلوب مصطفقة، والعقول أحد وأسن من نصل السيف، والألفاظ لا يخرج منها غير رائحة النتن والعفن، وما خبئ من كلمات نابية يشيب لها الولدان.
في الشهر الكريم لا يتحلى أحد بأخلاق هذا الشهر، بل إن بعضهم يستغلون المناسبة لإخراج ضغائنهم ورشق عقدهم في وجوه الناس بحجة الصوم. في هذا الشهر تكتشف أخلاق الناس، وتعرف منهم الثمين والرخيص. وفي هذا الشهر تجد العجب العجاب، والتصرف الدنيء المستهاب.
في هذا الشهر تتبين جيداً معادن الناس وخفاياهم ونواياهم. في هذا الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هداية للناس يخرج البعض بطباع لا تتساوى أبداً مع أخلاق الذين يجب أن يصوموا عن الفساد الأخلاقي قبل الصوم عن الأكل والشراب.
في الشوارع والمحال التجارية والمؤسسات وهيئات العمل ترى الوجوه مكفهرة، مغبرة، مكشرة..أناس تصوروا أن الصوم هو صوم عن الأخلاق وتأخر في إطعام النفس بالمشاعر الرهيفة العفيفة الأليفة، وتخيلوا أنفسهم أنهم لكي يكملوا صيامهم فلا بد أنهم يقابلون الناس بسحنة الجفاف وقلة العفاف، حتى يؤكدوا للآخرين أنهم على صيام، مساحة من الضوء تختفي عن وجوههم، وصفحة من صفحات النور تخبو عن محياهم، وكلمة من كلمات الحكمة تغيب عن شفاههم، ولفظة من ألفاظ الخير تغادر ألسنتهم.
في هذا الشهر الذي انقضى وذهبت أيامه، ترك الكثيرون بصمة سوداء في جبين أعمالهم، وسعوا بمحض إرادتهم لإفشال قيمة الصوم، ومع ذلك فإنهم اعتبروا أنفسهم في عداد الصائمين الموعودين، التفكير ملياً بما تصرفنا حيال الآخرين هو أول ما يجب أن يخطر على بالنا ونحن نودع شهر الرحمة والمغفرة.



marafea@emi.ae