عندما نتحدث عن المسرح، فإننا نعني الفن الراقي، الجميل، الممتع والساحر، الفن الذي يمس الإنسان في حياته وتفاصيل نفسه وروحه، وكل التبدلات التاريخية التي تحدث في واقعه ويستقي من الماضي بأساطيره وحكاياته ومن الواقع بقسوته وبساطته تمثلاته على الخشبة. بالتراجيديا أو بالكوميديا أو بالاثنين معا في خلطة وتوليفة يدركها المخرجون والكتاب والممثلون الكبار الذين يعيرون المسرح جانبا كبيرا من حياتهم، أو يمكن القول حياتهم كلها، أولئك الذين يدركون معنى الضحكة ومعنى الدمعة، معنى الحرف والكلمة والجملة ومعنى الجسد في حركته الباهرة، يقدمون المسرح بكل جلاله كفن يرقى أن يكون بمقام الإنسان، مسرح يسمو بأدواته كي يخاطب منطقة النور في المشاهد ويستفز العتمة في روحه. هذا ما يمكن أن نفهمه من المسرح، أي أن المسرح هو المسرح سواء كان كوميديا أو تراجيديا، جماهيريا أو نخبويا، جادا أو هزليا، طالما أنه يحترم عقل المشاهد ولا يذهب نحو الإسفاف والتهريج الرخيص الذي لا يرقى مطلقا إلى أن يقدم على خشبة المسرح المهيبة بكل جلالها. وهنا في دولة الإمارات تمكن المسرحيون وبكل صدق من تجاوز الكثير من التجارب المسرحية في المنطقة، وأن يقدموا مسرحا يستحق الاحترام والتقدير من خلال العديد من التجارب التي أبهرت الكثير من المتابعين للحركة المسرحية محليا وعربيا، وفي ذلك أسهمت أيام الشارقة المسرحية بدور كبير في هذا الشأن، حيث اشتغل المسرحيون على تقديم أعمال مسرحية في أجواء تنافسية حرضت واستفزت أرواحهم وعقولهم إلى أن يهزوا شجرة الإبداع التي أسقطت ثمارا تستحق الرعاية وعدم التفريط بها تحت أي ذريعة. وبالأخص تلك الذريعة التي بات يتغنى بها عدد من المسرحيين وهي «المسرح الجماهيري»، هذا المسرح الذي إن كان كما نفهمه من خلال أهدافه التي يروج لها بعض المسرحيين يعني «المسرح التجاري» ويعني كذلك الإسفاف والتهريج على خشبة المسرح بنكات رخيصة وحركات لا تنتمي للمعنى العميق لحركة الجسد المبجل على الخشبة. فهذا المسرح الذي يأخذ صفة «التجاري» أكثر من «الجماهيري» حيث المسرح هو للجمهور، أي أن المسرح في الأساس هو مسرح جماهيري، إلا أن الخلط بين «الجماهيري» و»التجاري» مستمر في الساحة المسرحية.. هذا المسرح التجاري الذي ساد وأفسد الحركة المسرحية في عدد من البلدان العربية، يجد له في هذه الفترة مريدين وداعمين ومحرضين في ساحتنا المحلية التي قطعت شوطا لا يستهان به في تكريس حضور جيد للفعل المسرحي المحلي، تمثل في منجز يحترم ذوق وعقل وروح المشاهد، ويبعد عن الإسفاف والتهريج. وما أكدته جمعية المسرحيين في بيانها الصحفي الذي أصدرته بمناسبة اختتام الموسم المسرحي في يوليو الماضي يدعو تلك الأصوات النشاز إلى أن تكف عن الترويج لمسرح التهريج، حيث يقول بيان الجمعية «أثبتت عروض الموسم المسرحي جماهيريتها وحضورها في الحياة الثقافية المحلية، من حيث الجمهور الذي حضر العروض وتواصل وأعجب بالعروض. كما ظهر أن جمهورنا المسرحي الإماراتي أثبت أنه كان وما يزال جمهوراً ذوّاقاً للمسرح، يقدس الجمال، ويعشق الإبداع ويتفاعل معه، لما لمسه من عروض مسرحية حملت طروحات شاكست الواقع وهمومه وتحدياته مشرعة بابا للأفكار والرؤى التي تخدم المجتمع وتقوّ مه وتعمل على تنميته وتطويره وتقدمه». ولذلك نتمنى على المسرح المحلي أن يذهب إلى الإمام حيث يوجد الجديد والمختلف، حيث السر لم يكشف بعد. saad.alhabshi@admedia.ae